الرأي

مراوغات الخب ترامب لضباع الفوضى الخلاقة

حبيب راشدين
  • 1857
  • 5

عندما تقفز أسعار النفط في بحر أسبوع بأكثر من ثلاثة دولارات، في جلسات محمومة يستشرف فيها المضاربون آفاق السوق من تغريدات ترامب، فلا بد للإعلام وللدوائر الدبلوماسية المعنية باستشراف مواقف ترامب أن تأخذ تغريداته على محمل الجد، وعلى رأسها تغريدة أمس الأول التي غيَّر فيها موعد اعلانه عن قراره النهائي من الاثنين 14 ماي إلى الثلاثاء 8 ماي (أي ليلة أمس) ليضمر بهذا التعديل عزيمته على إسقاط القرار ووضع الشركاء والخصوم على صفيح ساخن.
الحدث قد يُربط حتما بموعد الـ14 من هذا الشهر الذي سيشهد افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، وقد كلف ترامب وفدا مشكَّلا من ابنته ايفينكا وزوجها ووزير الخزانة، في حدثٍ سوف يشكل صاعقا آخر قد يفجر المنطقة ما لم يلتفت قادة المنطقة وشعوبها إلى الخلفية التي يتحرك منها وفيها الرئيس الأمريكي، وهو يخوض حربا غامضة معقدة مع الدولة الأمريكية العميقة في مواجهة فاصلة لم تشهدها أيُّ إدارة أمريكية سابقة.
بالمقاييس السياسية الصرفة، ليس ثمة مصلحة ظاهرة لترامب في اسقاط الاتفاق النووي الذي يفتح بالضرورة جبهة ساخنة جديدة في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يستعدُّ فيه لغلق جبهة كوريا الشمالية، وقد يأخذه القرار إلى الدخول في مواجهة مع الروس كان قد اجتهد لتجنُّبها في سورية بترتيبات سرية مع بوتن لم تعد خافية، كما أن التسرع في نقل السفارة إلى القدس قد أحبط إلى حين مسار ما يسمى بـ”صفقة القرن”.
مواقف الرئيس الأمريكي المتقلبة تبدو وكأنها رضوخٌ تام للدولة العميقة التي هددته بما يشبه العصيان والتمرد، وهو الذي وضع على رأس برنامجه الانتخابي تطهير مستنقع واشنطن، ولا يمكن في كل الأحوال فهمها خارج الحرب الساخنة الخفية التي تدار في واشنطن بين فريق ترامب المدعوم بالعسكر، وفريق مشكَّل من شبكة معقدة من القوى السياسية والمالية والإعلامية التي اتهمها صراحة بخيانة مصالح الولايات المتحدة بالسيطرة على المؤسسات الأمريكية خارج أحكام الدستور، وتسخيرها لمشروع عولمة في خدمة ثلاث عائلات مالية كبرى تقودها عائلة روتشيلد، وعائلة آل سعود، ومركب سوروس المموِّل للفوضى الخلاقة.
علينا أن نتذكر أن الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتمد زمن أوباما بمباركة عالمية، لم يواجَه بمعارضة تذكر من السعودية ودول الخليج والكيان الصهيوني، وقد كانوا يراهنون على خلافة آمنة لأوباما تضمن ضبط الإيقاع مع إيران في حدود معقولة ومقبولة، وربما يحسن بالسعودية ودول الخليج والكيان أن يتريثوا قليلا في الترحيب بقرارات ترامب التي قد تضعهم على حافة حرب مدمرة مع إيران، كما ان قرار نقل السفارة قد حرم نتنياهيو من فرصة مواصلة العبث بالفلسطينيين عبر مسار التسوية الذي نسفه ترامب بقرار نقل السفارة.
والحال فإن اسقاط الاتفاق النووي ـ إن حصل ـ يقود حتما إلى اسقاط الالتزامات السرية فيه، على رأسها الحاجة إلى تحييد إيران في الملف الفلسطيني، وضمانها لاستقرار وأمن الجبهة الشمالية للكيان، كما أن إسقاط مسار أوسلو بقرار الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان هو أخطر ضربة توجه لحكومة نتنياهو التي لم يعد لها شريك فلسطيني في لعبة التفاوض المستدام لربح مزيد من الوقت لمواصلة سياسة الاستيطان، كما يشكل عقبة كأداء لفريق التطبيع العربي الذي سوف ينشغل بهم في مواجهة تداعيات القرار الأول عن تدبير التحايل على القرار الثاني.

مقالات ذات صلة