الرأي

مرحبا بمطهّرنا من الذّنوب

سلطان بركاني
  • 578
  • 4

لم يكن الصّحابة والتابعون والصّالحون من عباد الله يرغبون في هذه الحياة الدّنيا، لكنّهم -مع ذلك- كانوا يدعون الله أن يمدّ في أعمارهم ليدركوا رمضان، وكانوا يستبشرون بقدومه ويفرحون غاية الفرح بإدراك أيامه ولياليه، ويستقبلونه استقبال الضّيف العزيز الذي لا يُملّ، لأنّهم كانوا يعلمون لهذا الشّهر قدره، ويدركون أنّه محطّة فارقة وفرصة سانحة للتطهّر من الذّنوب وعتق الرّقاب وبلوغ رضوان الله، فكان قائلهم يقول عند قدوم الشّهر الفضيل: “مرحبا بمطهّرنا من الذّنوب”.

يومان ويقدم ضيفنا العزيز الذي دأب على زيارتنا كلّ عام، ضيف كريم تحنّ إليه النّفوس، وتشتاق إليه الأرواح وتنشرح له الصّدور، يحسّ معه العبد المؤمن بأنّه في أمسّ الحاجة إلى الاهتمام بدار البقاء، وتطهير قلبه من التعلّق بدار الفناء. يجد فيه للصّيام لذّة وللصّلاة حلاوة وللدّعاء والذّكر وقراءة القرآن رقّة وخشوعا.. خاصّة عند ساعة الإفطار، وساعة الفراغ من صلاة القيام.. حين يحسّ المؤمن بأنّه ما صام ولا قام إلا لله وطلبا لمرضاته جلّ في علاه.

ليالي رمضان وأيامه هي أسعد اللّيالي والأيام، لمن صام يبتغي وجه الله وحافظ على الصّلاة والقيام، ونهى النّفس عن الذّنوب والآثام، وأحسّ بأنّه يزداد قربا من الله ذي الجلال والإكرام.. كم من عباد لله أسلموا وأعتقوا من النّار في رمضان.. كم من تائب منيب استقام على دين الله كانت بدايته لحظة صدق مع حلول شهر رمضان.. كم من عبد مؤمن هو الآن في قبره ينعّم ويعرض عليه مقامه في الجنّة غدوا وعشيا، أعتق من النّار في يوم من أيام رمضان التي عاشها في هذه الحياة.

إنّه شهر تتحرّك فيه نياط كثير من القلوب، وتدبّ الحياة في كثير من الأرواح.. كثير هم أولئك الذين يحسّون مع اقتراب شهر رمضان بداعٍ يدعوهم للعودة إلى الله، بشيء في دواخلهم يدعوهم للتّوبة إلى مولاهم جلّ في علاه، إلى إصلاح أحوالهم وتنظيم أوقاتهم، وبدء صفحات جديدة في حياتهم.

إنّها فطرة الخير التي تنتفض في داخل كلّ عبد مؤمن، في هذا الشّهر، وتدعوه للعودة إلى أصله الطيّب، ووالله لو أحسن استغلال هذا الدّاعي في نفسه، وصدق مع الله، ودعاه جلّ في علاه، أن يأخذ بيده إلى حيث طاعته ورضاه، لأصبح إنسانا آخر بإذن الله.

في وسع كلّ واحد منّا أن يتمنّى على الله خلال اليومين الأخيرين من شعبان، أن يوفّقه ليكون رمضان هذا العام هو رمضانه الذي يُحفر في ذاكرته ويغيّر -بإذن الله- حياته، هو المنعطف الأهمّ في عمره؛ يكون فيه وبعده إنسانا آخر، أمامه هدف واضح لا يغيب عن ناظره هو دخول الجنّة ولقيا الحبيب المصطفى ورؤية وجه الله الكريم.. وبين يديه برنامج واضح يجتهد في السّير عليه حتى يلقى الله ولم يترك خلفه أعمالا مؤجّلة.

ما منّا من أحد إلا وهو يرى في حياته وحاله ويومياته أشياء كثيرة يكرهها ويتمنّى التخلّص منها، وتؤرّقه أعمال كثيرة ظلّ يؤجّلها منذ سنوات وربّما منذ عقود، يشعر بالضّيق والقلق كلّما تذكّرها وتذكّر تأجيله لها ومماطلته في أدائها.

رمضان فرصة لاستثمار فطرة الخير التي تنتفض في النّفوس، والرّغبة العارمة التي يجدها كلّ مسلم لوضع نهاية للفوضى التي تميّز حياته.. مردة الشّياطين مقيّدة والرّوح تهفو إلى خالقها والقلب يحنّ إلى حياة أخرى معها سعادة الدّنيا والآخرة، هي حياة الطّاعة والاستقامة.. والفرصة سانحة ومتاحة، لكنّها قد لا تتكرّر مرّة أخرى.

مقالات ذات صلة