-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسجد الحرية

مسجد الحرية

في الغالب تسمى المساجد بأسماء أشخاص ذوي مكانة علمية، أو جهادية، أو ذوي مكرمات مادية، أنفقوا جزءا مما آتاهم الله من فضله، وقليلا ما تسمى المساجد بأسماء معان.

في يوم الجمعة الماضي أديّت صلاتها في مدينة جوّاب، وهي تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة المدية، وضمن إقليم ولايتها.

لما وصلنا إلى المدينة لفت اسم مسجدها نظر أحدنا، واسم المسجد هو “الحرية” فظن هذا الأخ أن المسجد أسس في 1962، استبشارا بعام استرداد استقلالنا، واستعادة كرامتنا، ولكن أنبئنا أن المسجد أسس في بداية الثمانينيات من القرن العشرين..

قال أكثر علماء المسلمين أن الإسلام جاء للمحافظة على خمسة مقاصد أو خمس كليات هي النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال. ولكن علماء آخرين قالوا إن مقاصد الإسلام لا تنحصر في هذه الخمسة، وإنما مقاصده هي كل ما تقوم عليه حياة الإنسان، فأضيف إلى تلك الخمسة مقصد “الحرية”، ومقصد “المحبة”.

ومن أبرز من أضاف مقصد “الحرية” إلى مقاصد الإسلام الإمام محمّد الطاهر ابن عاشور، شيخ جامع الزيتونة ومفتي تونس، الذي توفاه الله في سنة 1973، رحمه الله.

إن المتأمل في تراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يجدهم قد اهتموا بـ”الحرية”، ومن لا يهتم بالحرية في عهد فرنسا الصليبية الطاغية؟
قال الإمام ابن باديس: “حق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية.. وما أرسل الله الرسل، وما أنزل عليهم من الكتب، وما شرع لهم من الشرع إلا ليعرّف بني آدم كيف يحيون أحرارا، وكيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية”. (مجلة الشهاب. جانفي 1937).
وأما الإمام الإبراهيمي فيقول: “إن الإسلام هو دين التحرير العام، فنرسل هذا الوصف إرسالا بدون تحفظ ولا استثناء… والتحرير الذي جاء به الإسلام شامل لكل ما تقوم به الحياة وتصلح عليه المعاني، والدين الإسلامي لا يفهم التحرير بالمعنى الضيق، وإنما يفهمه على أنه إطلاق من كل تقييد”. (آثار الإمام الإبراهيمي. ج4. ص 357).

وكم تشوّق الإمام ابن باديس إلى الحرية التي حرمتنا منها فرنسا – حرمها الله منها – وهي التي جعلتها ركنا من ثلاثيتها الكاذبة (الحرية – الإخاء – المساواة)، فكان الإمام يتساءل: “أين أنت أيتها الحرية المحبوبة”. (آثار ابن باديس ج 6 ص 352).

ولكي ينجو الشاعر محمد العيد آل خليفة من عتو فرنسا وبطشها تصور الحرية “امرأة” وتساءل عن مكانها في قصيدة تحت عنوان: “أين ليلاى؟”، وما ليلاه إلا هذه الحرية المحبوبة التي حرمته منها فرنسا الطاغية.

ولكي ترسخ جمعية العلماء كلمة الحرية ومعناها في أذهان الجزائريين كانت تصف كل أعمالها بـ”الحرية”، فتعليمها حر، وصحافتها حرّة، مساجدها حرة، ومعلموها أحرار، ومدارسها حرة، ونواديها حرة..

وبعد الصلاة أخذنا الإخوة إلى مخيّم قريب، فوجدناه كما قال أبو القاسم الشابي التونسي عن منطقة “المشروحة” قرب سوق اهراس “جنة ضائعة”، لأننا لا نعرف هذا المكان الساحر، ولم تعرّف به الهيئة المنوط بها ذلك.. فأين أنت يا من تسمى “وزارة السياحة؟”. ويجتهد القائمون عليه الآن لبعث الحياة فيه، إن لم يتدخل “شياطين الإنس” لمنعهم من ذلك لما في قلوبهم من مرض، ولما في أنفسهم من غرض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!