الجزائر
مختصون يدعون إلى منعها على الأقل من 12 عاما

مشاهد تعذيب صادمة تروّع الأطفال الزائرين للمتاحف التاريخية

وهيبة سليماني
  • 1310
  • 3
ح.م

الزائر لمتحف المجاهد بمقام الشهيد بالعاصمة، تشده لا محالة تلك الغرفة التي تحوي مشاهد مجسدة من الدمى، لأساليب التعذيب الجهنمية من طرف الاستعمار الفرنسي للجزائريين، وهي صورة نموذجية، تثير الكثير من المشاعر، وتجعلك تسافر بخيالك إلى تلك الفترة التي نكّل، خلالها، العساكر الفرنسيون بالثوار في المحتشدات والسجون..
لكن ثمّة شيء آخر يلفت انتباهك، يتعلق بالأطفال الذين يزورون المعرض، ويتوّقفون لدقائق يتأملون تلك المشاهد المجسدة، وأغلبهم تقل أعمارهم عن 12سنة.. يبكون ويصرخون.. يديرون أوجههم بفزع وتقزز وعبوس!..
وقد صادف زيارتنا للمتحف اكتظاظه بالأطفال، أغلبهم تلاميذ قدموا من عدة ولايات، بينهم تلاميذ من بجاية، يدرسون السنة أولى ابتدائي، لم يفوّتوا فرصة تأمل ما بداخل الجناح الخاص بأساليب تعذيب الاستعمار الفرنسي للجزائريين، كانت عيونهم متسمّرة تحدق في الرأس المقطوع، وهو يقطر دما وكان يحمله الجندي الفرنسي، وتلك الأصابع المقطوعة الملطخة بالدم، والمرأة المربوطة إلى الكرسي، وهي طبعا دمى لتجسيد مشهد تاريخي.
كانت طفلة في الخامسة رفقة أمها تبكي ولم تتوقف عن البكاء، فقد صدمت بالمشهد المجسد على ما يبدو، وأخرى في مثل سنها تحاول أن تفلت من بين يدي والدتها التي كانت تلح عليها وتمسك برأسها لترغمها على مشاهدة تلك الصور المأثرة لأساليب التعذيب..عندما أنبّها أحد الزوار لتعنيفها ابنتها وتحتم عليها رؤية الدمى الملطخة بالدماء، والرأس المقطوعة، لترد عليه قائلة “إني أفعل ذلك لأجعلها تكره فرنسا الاستعمارية”.
وتفرض ثقافة زيارة المتاحف حسب المختصين النفسانيين العديد من الآداب والسلوكات الواجب التقيد بها، سيما ما خص الأطفال نظرا لمشاعرهم المرهفة وما قد تخلفه تلك المشاهد من عقد وصدمات نفسية بداخلهم.
وفي هذا السياق، دعا الدكتور مسعود بن حليمة، مختص في علم النفس، إلى وضع لائحة قرب الجناح المخصص لأساليب التعذيب الفرنسي للجزائريين، تمنع الأطفال الأقل من 12سنة من الاقتراب من الغرفة، موضحا أن هذه الفئة لا تستوعب مثل هذه المشاهد، فهي تترك أثرا بالغا في نفسيتهم، وتشكل لهم صدمة نفسية تعيش معهم طوال حياتهم.
وقال المختص إن المتاحف في ألمانيا وأمريكا تمنع على الأطفال دخول الأجنحة التي تعرض أساليب التعذيب وبعض المشاهد والصور المروعة، مثل أساليب تعذيب الألمان لليهود، والأمريكان للسود، مشيرا إلى أن الافتخار بالثورة التحريرية يجب أن يستعمل في الحياة الاجتماعية والسياسية، وبعيدا عن الأطفال الذين لا يستوعبون بعض الأحداث.
في السياق، أكد الدكتور محمد حامق، أستاذ علم النفس في جامعة تيارت، أن المتاحف الجزائرية مفتوحة على شريحة الأطفال دون تحديد سن للزيارة، وهي نقطة يجب أن ينتبه إليها القائمون على هذه المتاحف.
وقال حامق إن هذه المشاهد تبقى محفوظة في ذاكرة الطفل، وتعرضه مستقبلا للفوبيا، والكوابيس والتبول اللاإرادي، لأنها تتجاوز، حسبه، قدرة استيعاب الأطفال الأقل من 12سنة.
ويرى ذات المختص، أنه بإمكان طفل دون الـ 5 سنوات، محاكاة هذه المشاهد المرعبة مع أقرانه، وأنه لا يرى تلك الدمى كذلك، بل تتراءى له على أنها وقائع حقيقية، موضحا أن الطفل الذي يبلغ الخامسة والسادسة من عمره لديه قوة مخيلة تعتمد على الصور، حيث يتفاعل معها سواء كانت ثابتة أو متحركة أو مجسدة، فتخزّن على مستوى الذاكرة في اللاوعي.
وحذّر الدكتور محمد حامق، من المشاهد التي تفوق إدراك الطفل، سواء في المتاحف أو التلفاز أو عبر الألعاب الالكترونية، حيث تشكل لديه تداعيات على مستوى اللاوعي تظهر في شكل طرح للأسئلة وتكوّن مسار طرح بينه وبين نفسه أو بين أقرانه، وقد لا يجد لها أجوبة فتخلّف له ما يسمى بـ”الكبت الصوري الصدمي”.

مقالات ذات صلة