مشايخ يضيعون في عالم “فايسبوك”
اختلطت الدنيا على شباب الفايسبوك وتويتر (facebook وtwitter)، هذا الجيل الذي اكتشف الثورة دون سلاح، والحرب دون جنود، واخترع النضال من وراء الكمبيوتر. وبينما كان هذا الجيل يعتقد أنه انتصر على الدنيا، وفرض أساليب جديدة في ترتيب التاريخ، جاءه قوم لم يكن منتظرا، قوم يكتفي بتقسيم العالم بين الحلال والحرام، ويحدد الصواب والخطأ وفق قواعد غريبة عن عالم الكمبيوتر.
-
وحاول أصحاب ساحة التحرير في مصر أن يصنعوا صورا جديدة للعالم الذي ظهر معهم، وأرادوا أن يخلقوا زعماء جدد، مثل ذلك الموظف في شركة “غوغل” google الذي وضع شبكة للاتصال بعد قطع الأنترنات من طرف السلطات المصرية، لكن المجتمع المصري فرض عليهم أناسا لم يكونوا في الحسبان، أناس يبيحون ويمنعون دون أن يتفقوا رغم أنهم يتكلمون عن نفس المراجع الدينية.
-
وأشهر هؤلاء هو السيد القرضاوي، الذي فرض نفسه كقوة دينية وإعلامية وسياسية، بفضل المنابر التي يحتلها، سواء منصبه كمفتي شبه رسمي لقناة “الجزيرة”، أو من منصبه كرئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وجاءت فتاوى السيد القرضاوي متطابقة مع السياسة الخارجية لدولة قطر، بينما جاءت فتاوى شيخ الأزهر أحمد الطيب متطابقة مع قرارات ومواقف السلطة المصرية، مما أدى إلى جدال بين الرجلين أكد أن الإمام يستطيع أن يكون مع السلطة أو ضدها باستعمال نفس الحجة..
-
وساند القرضاوي الثورات الاحتجاجية في مصر وتونس وليبيا، وهاجم الأئمة الذين عارضوها، وقال إن معاداة التظاهر جاء من “السلفية المتعصبة” ومن الصوفية، ورفض تحريم الثورات العربية من طرف الذين يقولون إن التظاهر يشكل فتنة بالخروج على الحكام. وقال القرضاوي إن المظاهرات ليست من الفتنة في شيء لأن الإسلام يأمر بإزالة “الظلم الذي يمارسه الحكام في أبشع صفاته”.
-
وفي فتاوى يمكن اعتبارها جريئة، قال القرضاوي إن الظلم وانتهاك حقوق الناس أمور تجيز الخروج عن الحاكم، كما أن تحقيق الحرية يشكل أولوية قبل تطبيق الحكم الشرعي في الإسلام. ودافع القرضاوي عن العمل من أجل بناء دولة مدنية بمرجعية إسلامية، واعتبر أن مبدأ دينية الدولة ليس من الإسلام.
-
وذهب القرضاوي إلى أبعد من ذلك بكثير لما حكم بالإعدام على الزعيم الليبي معمر القذافي. وطلب خلال حصة شهيرة على قناة “الجزيرة” من المقربين من القذافي أن يقوموا باغتياله بكل بساطة، وأحل دمه، بل وجعل من ذلك طريقا إلى التوبة والجنة.
-
لكن هذه الجرأة التي ظهر بها القرضاوي انطفأت لما تعلق الأمر بالبحرين. وقال القرضاوي أن ما يحدث في المنامة ليس ثورة، إنما ذلك يشكل فتنة، فأعطى الفتوى التي تسمح بدخول القوى الخارجية إلى البحرين. ومعروف أن البحرين يحكمها ملك سني بينما أغلبية السكان شيعيون، مما أثار غضب إيران ودفعها إلى اتخاذ مواقف أدت إلى أزمة جديدة بين إيران ودول مجلس الخليج التي وافقت على بعث قوة عسكرية لوضع حد للاحتجاج الذي تعيشه البلاد.
-
وأثارت فتاوى القرضاوي معارضة كبيرة من الشيعة ومن السنة ومن أهل السلفية، وكذلك من التيارات التي تعمل عادة للتوافق بين الحاكم والمحكوم. ومن أشهر الشخصيات التي عارضت القرضاوي، نذكر أربعة، أولها أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي اعترف بالحرية والديمقراطية وحق الاختلاف، لكنه رفض أن يؤدي ذلك إلى تهديد الأمن القومي لمصر والمصالح العليا للأمة. وقال إن الشعب له مطالب عادلة في الحرية والعدالة ومحاربة الفقر، لكن لا يمكن أن تكون تلك المطالب مبرّراً للفوضى والاعتداء على الممتلكات والأرواح.
-
أما في السعودية، فقد صدرت فتوى رسمية من أعلى هيئة في البلاد لتؤكد أن التظاهر حرام. وقال المفتي العام للسعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، في خطبة جمعة إن المظاهرات “إثارة للفتن بين الشعوب وحكامها”، قبل أن تصدر فتوى معاكسة تقول أن لا شيء يمنع التظاهر والاحتجاج ضد الحاكم. وتدخل في القضية إمام سلفي جزائري مقيم في السعودية، ليقول إن دعوات التغيير باطلة لأنها تدعو إلى الديمقراطية والديمقراطية مخالفة للإسلام… بينما تدخل محمد سعيد البوطي بثقله في سوريا ليهاجم الأئمة الداعين إلى الفوضى لما وصلت موجة الاحتجاجات إلى بلاد الشام..
-
ونذكر أخيرا أن فقهاء الشيعة دخلوا الساحة بدورهم ليناشدوا بالمظاهرات التي وقعت في مختلف البلدان، خاصة منها البحرين، حيث كان الاحتجاج أمن فعل الطائفة الشيعية، لكن نفس الفقهاء الإيرانيين الذين ساندوا المظاهرات في البحرين أصدروا فتاوى معاكسة من أجل تحريم ومنع التظاهر في إيران..
-
ويبقى الشاب المصري والبحريني حائرا: “كيف التعامل مع هذه الفتاوى؟ أو لم تقم الثورات في مصر وتونس وليبيا قبل صدور فتاوى القرضاوي ودون فتاوى المشايخ؟ لماذا تجد هذه الأجيال الجديدة نفسها أمام فكر يفرض تضييع طاقات هائلة لحل مشاكل ليس لها حل؟”