-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مطالبون بالأعمال أم بالنتائج؟ 2/2

التهامي مجوري
  • 295
  • 0
مطالبون بالأعمال أم بالنتائج؟ 2/2

والناظر في مقولة “أن المطلوب هو العمل وليس النتيجة“، في إطار سنة الاستخلاف (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة 30].، يلاحظ أن هناك خلل في فهم علاقة الإنسان بسنة الاستخلاف هذه، التي وضعها الله كغاية للإنسان في الوجود، والغاية مدارها على مفهوم خلافة الله في الأرض، المسندة للإنسان والمتضمنة جملة من العلاقات. علاقة الإنسان مع الله، وعلاقة الأنسان مع الكون والحياة، وعلاقة الإنسان مع نفسه ومحيطه البشري.

اما علاقته بالله سبحانه فهي علاقة عابد بمعبود، وعلاقة مخلوق بخالق، وطبيعة التعامل معها يكون بتنفيذ الأوامر وكفى، فكل ما كان أمرا من الله ورسوله، فالمطلوب في التعامل معه أن يكون تنفيذا؛ لأنه عبادة، والعبادة لا يستطيع العقل البشري تقييمها وتقديرها والحكم عليها أو لها إلا من خلال نصوص الوحي؛ لأنها فوق طاقة العقل، وآثارها ونتائجها وما يمكن للعقل أن يحكم بها على هذا الفعل أو هذا السلوك انه صحيح أو غلط، بيد الله الذي أرجأ إظهار نتائجه إلى يوم القيامة ،الذي يكون فيه الجزاء الأوفى على كل العبادات، سواء التي كانت لها نتائج مباشرة في الدنيا أو لم تكن لها نتائج مباشرة. مثل الإيمان والصلاة والصيام والحج والدعاء والتوكل والذكر وقراءة القرآن… كل هذه العبادات لا تحتاج أكثر من التنفيذ وذلك هو الغاية المطلوبة.

صحيح أن عبادات المتعبدين لها إشارات تعبر عن صحتها أو عن فسادها، ولها أيضا وظائف اجتماعية ترى وتلمس، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام جنة ووقاية من الانحراف، والزكاة تزكية وتطهيرا للأموال والنفس، ولكن هذه المحصلات الاجتماعية ليست هي الحاملة على العبادات، وإنما مفترض في أهلها أن يكونوا على قدر عال من الاستقادمة؛ لأن العبادة مطلوبة لذاتها وليس لحتمية تحصيلها للخدمة الاجتماعية معقولة المعنى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات 56]،

ثم إن نجاح المرء وفوزه بالسلوك الحسن والعلاقات الاجتماعية الجيدة، لا يشهدان على مستوى تعبد الإنسان؛ لأن الناظم لذلك ليس مجرد العبادة، وإنما هي أمور أخرى ليس هنا مجال التفصيل فيها، وإنما من طبيعة العبادة أنها تعبر عن أرقى مستويات الاستقامة، وإذا لم تحقق هذا المستوى فلا تبطل ولا تلغى؛ لأن ذلك يوحي بخلل في أخلاق الإنسان، ينبغي أن يراجعه لتؤدي الصلاة وظيفتها المقررة؛ لأن الصلاة بوصفها عبادة تمثل أرقى مستويات السمو والرفعة، ومن ثم فإن ما يليق بصاحبها أن يكون في مكانة رفيعة في أخلاقه وسلوكه وعلاقاته مع الناس، وكما قال الأستاذ إبراهيم الهويني السعودي “إن إقامة الصلاة لا تكون بالمسجد وإنما تكون خارجه، فما يكون في المسجد هو أداء للصلاة، أما إقامتها ففي الشارع والسوق وفي المعاملات مع الناس”، ومن ثم فإن إقامة الصلاة هي أن يكون أداء العبادة لله متناغما مع سلوك الإنسان في الواقع وعلاقاته مع الناس، فاللسان الذي يتلو قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم)، لا يمكن أن يكذب أو يكون بذيئا، لعانا، سبابا، وشتاما.

إن الضابط لعلاقة الإنسان بالله هي جملة العبادات، التي أوجبها الله على الناس، ابتداء من توحيده سبحانه وتعالى وانتهاء بأدنى حق من حقوق الله والعباد التي على الإنسان أفرادا وجماعات، ومن ثم فإن قولنا إننا مطالبون بالعمل ولسنا مطالبين بالنتائج، من هذا القسم من العلاقات، مقولة صحيحة؛ لأن النتائج أخفاها الله عنا  إلى يوم الجزاء.

وأما علاقة الأنسان بالكون والحياة، وعلاقته مع نفسه ومحيطه البشري، فتحكمها منظومة أخرى لها علاقة بالنتائج في الواقع، بحيث كل سلوك معين تجاه علاقة الإنسان بهذه الجهات يترتب عنه نتائج معينة، ولا بد من التطلع إليها، وإلا ضل الإنسان الطريق…، ففي علاقاتنا بالكون، لا يمكن أن تكون بمعزل عن قوانين الكون والحياة؛ لأن ناظمها هو قوانين كالفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، وهذه القوانين هي التي تملي علينا هذا الفعل أو ذاك، وهذا السلوك أو ذلك، سواء بالكشف عن المنافع والأضرار، أو بما يترتب عن الأفعال من المصالح والمفاسد، وكذلك في علاقاتنا بالمحيط الإنساني، فإن ناظمه هو العلوم الإنسانية، علم اجتماع، وعلم النفس، والسياسة، والإقتصاد…إلخ، لما لهذه العلوم من سلطان على سلوك الإنسان وحركته وعلاقتهما بالنتائج المترتبة عنهما.

فعندما نتبنى فعلا أو سلوكا لا شك أننا نتبناه لما فيه من مصلحة ومنفعة، وإذا اجتنبنا فعلا أو سلوكا آخر إنما نتجنبه لما به من ضرر ومفاسد، وذلك بناء على معرفة سابقة بالأمور التي تؤدي إلى هذا الاتجاه او ذاك، وبالتالي فإن القيام بمثل هذا النشاط يخضع لما يحقق من مصالح ومنافع، أو يدفع من المفاسد والأضرار، وقولنا نحن مطالبون بالعمل ولسنا مطالبين بالنائج يخل بهذه القاعدة، بحيث يمكن للواحد منا أن يعمل الكثير ولا يحصل إلا على القليل، أو لا يحصل على شيء ويرضى بذلك!! وهذا تقدير غير عادي…، ولو كان الأمر كذلك لما تطور شيء في الحياة؛ لأن النشاط البشري يتطور بشكل تراكمي، إذ كل فرد في هذا العالم يعمل لتحقيق مكاسب كما ونوعا، ويحرص على أن يكسب ويحقق الأكثر دائما، كما ونوعا، وهذه الكثرة الكمية والنوعية هي التي تضمن الإضافة والتطوير في الحياة، فكل جيل يضيف ما استطاع تحقيقه من خلال تفاعله الإيجابي مع الكون والحياة والعلاقات الإنسانية.

وجانب آخر جدير بالملاحظة، وهو أن من يعمل ولا ينتظر النتائج هو في الحقيقة يعبث، أي يعتقد بأن العمل للعمل فقط، ولا يشفع له أنه يحب العمل، أو انه يشعر بانه مطالب بالعمل فقط، ولا يهمه أن تكون له النتيجة أو لا تكون.

إن مثل هذا السلوك في النشاط التفاعلي ومع الكون والحياة والمحيط البشري، لا ينبغي أن يعزل عن نتائجه وفق مقررات علمية ثابتة، وإلا أصبح الإنسان كالحيوان تماما، الذي هو مسخر للقيام بفعل يمثل غايته في الوجود، خدمة للإنسان والكون والحياة، في إطار أن له وظيفة معينة يقوم بها وكفى، فالكلب مهمته الحراسة، والحمار مهمته حمل الأثقال، والعصفور وظيفته الزقزقة، فهو يعمل لأنه خلق ليعمل. ومع ذلك فإن الخبرة البشرية اليوم تعمل على الاستثمار في الحياوانات –باعتبارها من مسخراتها- للقيام بوظائف أخرى غير وظائفه التي خلق بها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!