الرأي

مطالب مشروعة تُجيَّر لغايات باطلة

حبيب راشدين
  • 3966
  • 13

كما كان متوقعا، بدأت السنة الأخيرة قبل موعد رئاسيات 2019 بفتح ثلاث جبهات ملتهبة يراد لها أن تكون ساحة لكسر العظام بين مخلفات عصر “الدولة داخل الدولة” ودولة الأوليغارك المنتظرة على الأعراف، ودولة عميقة تناور عن بُعد لمنع الخصمين من المشاركة في تشكيل ملامح الدولة ما بعد بوتفليقة، وتفويت الفرصة على من يتربص بالجزائر بعد انهيار حساباتهم في الشام ودول الربيع.

ليس من الصدفة أن تتحرك موجة الاحتجاجات في قطاع الوظيف العمومي حصرا، وفي قطاعاته الثلاثة الأكثر تأثيرا على حياة المواطن، والأكثر قدرة على ليِّ ذراع الحكومة: في الصحة، والتعليم، والنقل، والتي تمثل وحدها ثلاثة أرباع حصة الوظيف العمومي من جهة التعداد، مع أن الوظيف العمومي استفاد أكثر من القطاعات الخدمية والإنتاجية في القطاعين العام والخاص من الزيادات زمن البحبوحة المالية.

وليس صدفة أن يُفتح ملف خصخصة القطاع العام من طرف الحكومة وأرباب المال في الوقت الذي كانت الدولة قد حلت مشكلة التمويل باللجوء إلى الاقتراض الداخلي من البنك المركزي، ولم تكن المؤسسات العمومية في حالة إفلاس، أو بحاجة إلى تمويل حتى يبرر أهل الخصخصة وجوب إحالتها على مصحة نادي “الأفسيو” مع حصول انتعاش في عوائد المحروقات وفي تحصيل الدولة من الجباية.

ومع أن أغلب المطالب التي رفعها المحتجون تبدو في ظاهرها مشروعة، بل وقابلة للتنفيذ، فإن تردد الوزارة الأولى في فتح حوار مباشر وشفاف مع النقابات، والاستجابة على الأقل للمطالب التي ليس لها صلة بفتح باب رفع الأجور الملغم، فإن هذا التردد الحكومي يبقى غير مفهوم، ويشجع على طرح أكثر من سؤال حول موقع الوزير الأول من تبعات ترك جبهة الاحتجاجات تتعفن وتستقوى بالتوسُّع عموديا وأفقيا في الشهور الستة القادمة.

وعلى مستوى الجبهة الثانية لم يكد أحباب نادي “الأفسيو” ينكسون رؤوسهم ويستغشون ثيابهم بعد صدور فتوى الرئيس، حتى تحرَّك بعض من خدمهم في الحكومات السابقة يرافعون بما لم ينزل الله به من سلطان على ملف الخصخصة، وقد انبرى زير الخصخصة السابق السيد تمار، ووزير التجارة السابق عمارة بن يونس لشجب قرار الرئيس ومعه من ساند القرار في الموالاة والمعارضة، مع أن ملف الخصخصة لم يكن على رأس قائمة الضغوط الموسمية لصندوق النقد والبنك العالمي، ولم يشكل عقبة في بداية تنفيذ ما سُمي بالنمط الاقتصادي الجديد.

تردد الحكومة ووقوفها وكأن الأمر لا يعنيها دفع بجانب من الدولة العميقة ممثل في المؤسسة العسكرية إلى كسر الصمت مجددا في توضيح صدر هذا الاثنين على موقع وزارة الدفاع “أدان سلوك بعض الأشخاص الذين سلكوا سبلا غير شرعية للتعبير عن مطالبهم بهدف زرع الشك والتلبيس على الرأي العام” في تلميح غير مباشر إلى أن ما يعني المحتجين من قدامى العسكريين قد يطال جانبا من المحتجين في القطاعات العمومية الأخرى، وقد يتحرك الطرف الثاني الشريك في الدولة العميقة على مستوى الرئاسة، ليعيد ضبط إيقاع الحكومة وصرفها بقوة لوضع حد سريع وحاسم لموجة الاحتجاجات التي قد تتحول إلى بوابة لعبث بقايا “الدولة داخل الدولة” أو لمن يزور في النفس ما وراء البحر لتجديد التجربتين الليبية والسورية في الجزائر قبل نجاح الجزائر في التمرير الآمن لموعد رئاسيات 2019.

مقالات ذات صلة