الرأي

معاملة الحيوانات

حسين لقرع
  • 2027
  • 0

عندما كان العربُ منشغلين بمتابعة وقائع مناقشة قرار الأمم المتحدة برفع العلم الفلسطيني على مقرّها العام ومكاتبها، وكأنه إنجازٌ تاريخي عظيم، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتداول صوراً التقطتها متطوّعة نمساوية للشرطة المجرية وهي تلقي أكياس السندويتشات على اللاجئين السوريين وكأن الأمر يتعلق بإطعام حيوانات داخل قفص وليس ببشر لهم كرامة إنسانية كان ينبغي مراعاتها.

هي صورٌ جديدة أخرى تضاف إلى صور الطفل الغريق إيلان وتلك الصحُفية المصوّرة المجرية التي عرقلت برجْلها أباً كان يحمل طفله، ورجال الشرطة المجرية وهم يطاردون اللاجئين بالهراوات وينهالون عليهم بالضرب والإهانة…

ولا شك أن هذه الصور المؤلمة هي مجرد غيض من فيض، فما لم تلتقطه كاميرات الهواتف المحمولة سرا من الإهانات الجارحة للكرامة الإنسانية أدهى وأمرّ، ولكن الغريب أنه في الوقت الذي تتحرك فيه دول الاتحاد الأوربي وأمريكا اللاتينية وأستراليا والولايات المتحدة لإيواء اللاجئين، فإن كل الصور المأساوية التي شاهدها المسؤولون العرب إلى الآن لم تحرّك فيهم شعرة واحدة ولم يعلنوا فتحَ أراضيهم للاجئين السوريين لينزلوا عليهم ضيوفا مكرمين تفاديا للإهانات في المجر، وتتساوى في ذلك الدولُ العربية الغنية والفقيرة باستثناء السودان التي تستقبل السوريين وتعاملهم كمواطنين لا كلاجئين، في حين تلتزم الدولُ الخليجية صمت القبور إزاء المسألة وكأنها لا تعنيها برغم أنها جزءٌ من المشكلة بدعمها غير المحدود للمعارضة المسلحة وعرقلتها لتسويةٍ سلمية للأزمة، بل إن أحد الكتاب الخليجيين برّر عدم استقبال اللاجئين السوريين بارتفاع المستوى المعيشي في بلدان الخليج، وبإصابة اللاجئين باضطرابات نفسية وعصبية بفعل الحرب، ما ينعكس سلباً على الخليجيين!

كل هذا الحجم من الإهانات الجارحة من ذوي القربى قبل المجريين وغيرهم، كان ينبغي أن يوقظ ضمائر الطرفين المتحاربين في سوريا ويدفعهما إلى التوقف عن جنونهما، والدخول في مفاوضات مستمرّة لا تتوقف إلاّ حين يتوصل الطرفان إلى تسوية تضع حدا لهذه الحرب العبثية الطاحنة التي ألحقت بالشعب السوري أكبر مأساة إنسانية في القرن الواحد والعشرين.

في صيف عام 1962، كان جيشُ الحدود الذي دخل به بومدين إلى الجزائر العاصمة، على وشك الصدام المسلح مع جيش الداخل الذي كان يأتمر بأمر الحكومة المؤقتة، لكن نساء القصبة قُمن بحركةٍ ذات دلالة عميقة نزعن بها فتيل الحرب؛ إذ حملن أطفالهن فوق رقابهن وخرجن إلى الشوارع للتظاهر، وأخذن يصرخن في وجوه “جنود” الطرفين المتصارعين على الحكم، وهم مجاهدون كلهم:  سبع سنين بركات”، أي كفانا ما لقينا على أيدي الاستعمار الفرنسي من قتل وتنكيل وتدمير وإذلال طوال سنوات الثورة السبع… فكانت تلك المشاهد كافية لتجنّب الحرب الأهلية التي كانت ستقود الدولة المستقلة حديثاً إلى الخراب بعد أن تنازلت الحكومة المؤقتة عن الحكم لصالح جماعة وجدة، حفاظاً على البلد المثخَن بجراح حرب التحرير.

ما أحوج الطرفين المتصارعين في سوريا إلى الاستفادة من هذا الدرس البليغ، وما أحوج الشعب السوري الذي طحنته هذه الحرب إلى تنازل أحدهما لمصلحة وطنه قبل أن ينهار كليا، ولكن المشكلة: من يقبل بالتنازل للآخر حفاظاً على سوريا وعلى كرامة لاجئي بلده في الخارج؟

مقالات ذات صلة