الشروق العربي

معربون في محل تعريب

عمار يزلي
  • 438
  • 2
ح.م

بعض الأقلام المعربة سابقا، بدت وكأنها نفضت أيديها ـ وارجلها ـ من العربية بشكل نهائي وقطعي وبالثلاث! مع أن بعضا منها كان إلى فترة غير بعيدة، يعمل على تعريب اسمه من أجل طلب صك غفران القاموس العربي. الأسباب كثيرة، والتحولات السياسية كان لها دور أساسي في هذا التحول نحو وجهة فرنسا ولغتها.

كان هذا واضحا منذ نحو عشرين سنة! مباشرة بعد وأد مشروع الرئيس اليامين زروال المتمثل في قانون التعريب!

التعريب والمسألة اللغوية عندنا، كان ولا يزال حصان طروادة وشماعة تعلق عليها كل الآثام وتربط بها كل التحديات.

مشروع التعريب، كان أول ما بدأ به بعد الاستقلال مباشرة الرئيس الراحل أحمد بن بلة، عن طريق “تمصير” العربية لعدم وجود معلمين عرب ومعربين أكفاء وكفاية في تغطية الفراغ المدرسي بعد صائفة 62. عمل يحسب له وإن كان قد حسب عليه سياسيا كونه كان “يناصب العداء للفرنسية وللبربرية ممثلة في صراعاته مع التيار البربرفوني بزعامة آيت أحمد”. توجه لم يأخذ بالحسبان طبيعة التوليفة الثقافية الوطنية بعد الاستقلال. بومدين، حاول أن يواصل ما فعله بن بلة! بدا ذلك واضحا في تعريب المحيط تمهيدا لتعريب الإدارة التي كان يرى فيها “قنابل حرب” على عكس التيار الأدبي والثقافي والسياسي الذي كان يرى في الفرنسية “غنيمة حرب” (كاتب ياسين مثلا). حاول بومدين أن يعرب المحيط بأياد وألسنة مفرنسة، فكانت النكت الطريفة: حلاق مربب!(coiffure d’exellence)، “الجزائر أحذية” (Alger chaussurs)، “داخلات واسخات، خارجات بارقات”(lavage auto)، “معمل أطباق الستيك” (Usine de plastique)، إلى غير ذلك من أشكال تعريب العناوين ووضع الاسم العربي في المتاجر والمؤسسات الأعلى والاسم بالفرنسية في الاسفل!

كان هناك مع ذلك مشروع وطني: اقتصادا ولغة وثقافة، رغم ما اتسم به الطابع السياسي من شمولية سياسية انعكست على المستوى اللغوي بشكل الامازيغية! فلقد كان يعني تعليم البربرية وتدريسها او المطالبة بالاعتراف بها من باب مطالبة الاستعمار الفرنسي بالعودة أو البقاء. هكذا كان ينظر إلى التييار البربرفوني: ليس كراهية في البربرية، بل في فرنسا التي اعتمدت سياسة فرق تسد من خلال العمل البربري وسياسية ضرب العنصر البربري بالعربي التي انتجتها مخابر “الدكتور فارنيي”. بومدين كان شاوي بربري وكان الشاوية أكثر عداء للتيار البربرفوني! فالمسألة لم تكن معاداة للبربرية بقدر ما كان معاداة للفرنسية التي استعملت البربرية حصان طروادة في العمل السياسي. تسييس المطلب اللغوي هو الذي أخر اعادة الاعتبار للأمازيغية كلغة وطنية ورسمية.

العربية لم تكن أحسن حظا في العهد الفرنسي، لذا كان على السلطة الوطنية أن تعمل على استعادة الهوية اللغوية ممثلة في التعريب التدريجي. الأمازيغية تركت لما بعد، فتبنتها فرنسا أكاديميا في باريس!

الانتكاسة الثانية للعربية، جاءت بعد رئاسة اليمين زروال، حيث عمد الرئيس بوتفليقة إلى تجميد تطبيق قانون التعريب، لأنه كان يرى فيها سببا في الفتنة فيما هو مقبل على المصالحة بين مختلف الفرقاء السياسيين والعقائديين. هذا التعليق، فتح المجال للتأويل على أن هناك ردة لغوية لصالح اللغة الفرنسية! فعادت الفرنسية تستعمل على نطاق أوسع، مما شجع كتاب اللغة العربية سابقا على التفرنس لغويا وسياسيا أيضا. نجد هذا عند التيار اليساري الذي جعل من الفرنسية والبربرية عصا يتكئون عليها ويهشون بها على أغنامهم! والكل يتذكر الصراع بين الراحل الطاهر وطار وبوجدرة لما عاد هذا الأخير إلى كتابة الرواية بالعربية، رغم أنه مفرنس الثقافة، وشرع أمين الزاوي في تعلم الفرنسية لكتابة الرواية بها! واسيني الأعرج مثلا، لم يفعل هذا وقال لي مرة بالحرف الواحد: مستعد أن أكتب دراسة بالفرنسية، لكن يستحيل أن أكتب رواية بالفرنسية، ليس لأني لا أتقن الفرنسية (يتقن الفرنسية أكثر من أمين!)، بل لأني أحترم العربية، لأنها لغة الأمومة.

طبعا كان الحديث موجها لأمين الزاوي الذي اختار الفرنسية إيمانا بأن القارئ المعرب كسول ولا يفقه في الأدب..! ربما يقصد.. قلة الأدب!

مقالات ذات صلة