الرأي

مغزى انتقال قمة مجموعة العشرين إلى الرياض

ح.م

أول مرة تتولى دولة عربية، قيادة اكبر مجموعة اقتصادية في العالم تتحكم بمفاصل الحركة البشرية حول الأرض، تقود قراراتها متغيرات ملموسة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، للتخفيف من وطأة التحديات وإيجاد حلول للإشكاليات الكونية لتسريع وتيرة التقدم الاقتصادي.

أمريكا، أستراليا، ألمانيا، كندا، فرنسا، المملكة المتحدة، اليابان، إيطاليا، كوريا الجنوبية، السعودية، روسيا، الصين، المكسيك، البرازيل، الأرجنتين، تركيا، جنوب إفريقيا، إندونيسيا، الهند، دول تملك 80 بالمائة من الناتج الاقتصادي العالمي، وتتحكم بثلاثة أرباع التجارة العالمية، وتضم ثلثي سكان العالم، هذا ما يجعل انعقادها الحدث الأكبر بمؤثراته على قارات العالم أجمع.

مغزى جوهري وراء انتقال جغرافيا انعقاد قمة مجموعة العشرين من الغرب المتقدم بتكنولوجيا متطورة، وقدرات اقتصادية واستثمارية هائلة، وقوة عسكرية عابرة للحدود، ومجتمعات مرفهة باستقرار متكامل، إلى منطقة الشرق الأوسط، الغارقة بأزمات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، وصراعات وجود، تنتمي دولها إلى عالم تنموي فاقد للاستقرار، متعثر في خطوات تقدمه، فرضت عليه التبعية للقوى الكبرى.

أكبر منتدى اقتصادي عالمي، تنتقل قمته إلى الشرق الأوسط لأول مرة، منذ تأسيسه عام 1999، في إشارة إلى اختصار المسافات بين شرق متأزم وغرب متقدم مستقر، اختصار مسافات البعد الاقتصادي، كما البعد السياسي في جغرافيا تتسع قدرات استثمارها الإنتاجي.

التفاتة الغرب نحو الشرق، لها معنى التحول في السياسة والاقتصاد، وتعبير عن الرضا في التخلي عن قيم تقليدية متوارثة، والتفاعل مع متغيرات عالمية معاصرة غيرت واقع الحياة وعلاقاتها وتطلعاتها، معنى تجسد في شعار قمة العشرين بالعاصمة السعودية الرياض: “اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع”.

تكرس معنى التحول في المحاور الثلاثة الملقاة على عاتق رئاسة قمة العشرين والمحددة في عناوينها الثلاثة: تمكين الناس، وبناء حدود جديدة “إلغاء الحدود”، وحماية الكوكب.

يعتني محور “تمكين الناس” بالارتقاء بواقع النساء وفئة الشباب، العقدة الكبرى التي تقيد حركة دول الشرق الأوسط، بينما يتبنى محور “تشكيل حدود جديدة” وضع استراتيجيات طويلة المدى تفتح أبواب مشاركة دول العالم النامي في مزايا ومنافع التقدم التكنولوجي وابتكاراته الجديدة، أما محور “حماية الكوكب” فهو دعوة لإيجاد خطة عمل مشتركة تتكفل بحماية الموارد العالمية.

محاور إستراتيجية كبرى، تبنتها قمة العشرين في ظل تباطؤ اقتصادي خطير فرضه تفشي وباء كورونا، ضرب بمساوئه الدول النامية على وجه التحديد كونها لا تمتلك الاحتياطات والبدائل اللازمة لمواجهات التحديات، وهي المبتلية أصلا بتخلف اقتصادي جعلها في مصاف الدول الفقيرة.

من يتحمل تطبيق محاور قمة العشرين التي تتطلب قدرات مالية هائلة، وقدرة على اتخاذ القرار السياسي وآليات تطبيقه؟

دول مجموعة العشرين كشفت عن مساهماتها بأكثر من 21 مليار دولار لمكافحة وباء كورونا، وإنتاج اللقاحات وتوزيعها، فضلا عن ضخ 11 تريليون دولار “لحماية” الاقتصاد العالمي الذي يعاني من أسوإ حالات التباطؤ في الظرف الراهن.

وضع عالمي معقد، يعد الشرق الأوسط أكثر تعقيدا، سيدفع المملكة العربية السعودية، إلى إطلاق مشاريع اقتصادية في دول عربية وإسلامية، يفتح أمامها أبواب قيادة منطقة تتقاذفها صراعات المحاور الإقليمية، بضمان تأييد دولي يكافئها على دعم الدول الفقيرة، وتنفيذ برامج اجتماعية حديثة وإصلاحات إدارية معاصرة، لا تعترضها عراقيل “مذهبية أصولية”.

فهل ستنجح المملكة العربية السعودية في كسب دعم عالمي عبر قمة مجموعة العشرين في إعادة تأهيل دورها في منطقة الشرق الأوسط، وتحتوي قدرات المحاور الإقليمية المناوئة؟

مقالات ذات صلة