الرأي
في صحبة موسى والخضر(3)

مــن هو الخضــر؟

أبو جرة سلطاني
  • 10913
  • 7

لم يذكر الخضر -رضي الله عنه- إلاّ في هذه السّورة؛ فقصّته حقيقة وليست رمزا، فهي قصّة جرت أحداثها في مكان غامض وغير معروف، بدأت بالتقاء النّبوّة بالعلم اللّدنّي مرّة واحدة في ثلاث محطّات، وانتهت بافتراق بعد تأويل أحداث غامضة لم يستطع موسى -عليه السّلام- عليها صبرا، ولعلّ أغرب ما فيها أنّ الخضر -رضي الله عنه- لم يفعل شيئا بإرادته، إنما كان يتحرّك بمشيئة الله -جل جلاله-: ((وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)) (الكهف: 82)، فهي صحبة عالِميْن التقيا لقاءَ رسول يوحَى إليه بعبد صالح منّ الله -جل جلاله- عليه بعلم من لدُنه؛ فما حقيقة هذا الرّجل الذي قرّر موسى (عليه السّلام) البحث عنه وتحمّل النّصب في سبيل العثور عليه؟ روى الشّيخان في الصّحيحين عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: إن موسى كان خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. وأوحى إليه: إنّ لي عبدا بمجمع البحريْن هو أعلم منك. فقال موسى: يا ربّ كيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمّ…”، إلى قوله -عليه الصّلاة والسّلام-: “وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ الله علينا من خبرهما”.

يستخلص من هذا الحديث أنّ الخضر -رضي الله عنه- كان رجلا صالحا يعمل بأمر من ربّه. ولكنّ خيال بعض المفسّرين سبَح خلف روايات لم يصحّ منها شيء فقالوا: كان نبيّا. أو كان ملكا في زمن إبراهيم -عليه السّلام-! أو هو أحد ملوك الفرس واستمرّ حيّا حتّى أدركه موسى (-عليه السّلام- لأنه شرب من ماء الحياة، وهو أوّل من خندق الخنادق وأوّل من جعل في كلّ قرية دهقانا.. وزعم آخرون أنه مازال حيّا، وذهب فريق آخر إلى أبعد من ذلك فزعموا أنّه حفيد آدم -عليه السّلام- من صلبه من قابيل نُسئ له في أجله فامتدّ عمرُه طويلا! وقيل: إنه زار الصّحابة -ليهم الرّضوان- يوم وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-! وقدّم لهم العزاء فيه ثم اختفى… إلخ. (ابن كثير: قصص الأنبياء: 300 إلى 304).

كلها روايات لا سند لها إلاّ نسْج خيال القصّاصين الذين رفع بعضهم درجته فوق النّبوّة والرّسالة، ونسبوا له الخلد؛ وقالوا: هو زاهد لا يتزوّج النّساء، وأنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- سمع دعاءه فأرسل له أنس بن مالك -رضي الله عنه-بالسّلام! وهو يزور بعض كبار شيوخ الطّرق الصّوفية ليلة الجمعة ويعلّمهم شيئا من علم الكشْف! وأقوى من فنّد هذه الأقاصيص والأحاجي أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه “عجالة المنتظر في شرح حال الخضر” بعمل علمي موثّق نسف به هذه المزاعم كلّها بالأدلّة الشّرعيّة التي يمكن تلخيصها بالقول: إنّ جملة ما حشده القصّاصون في وصف الخضر هو من المتروكات والموضوعات والمرفوعات التي لا سند لها، وإنّ الخضر داخل في ميثاق الله العام الذي لم يخصّص أحدا بواجب اتّباع الرّسل -عليه السّلام- كما نّصت عليه سورة آل عمران: 81، وما صحّ من أحاديث يقطع دابر دعوى حياة الخضر بيننا، لأن الحكم عام، وإذا عمّ الحكم يصبح الأصل عدم التّخصيص. أ.هـ.

مقالات ذات صلة