-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مقاربة اجتماعية للارتقاء بالطب

محمد شيدخ
  • 774
  • 0
مقاربة اجتماعية للارتقاء بالطب

الطب هو فن وعلم علاج وتلطيف الاختلالات المختلفة التي تصيب الانسان في كل ابعاده باستعمال أساليب علمية مجربة وسليمة وفق معطيات مقننة ومضبوطة مسبقا..

ويكون الإنسان هو مسدي العلاجات لأخيه الانسان مما يفتح المجال لكل العواطف والمشاعر خلال عملية الكشف والعلاج والتي قد تؤثر سلبا على نوعية التكفل بالنقص او بالإفراط  مما يحتم على الطبيب الانصياع  الكلي لقواعد وأسس أخلاقيات المهنة وعدم اقحام عواطفه في الفعل الطبي، ولولا ذاك لجاز الحديث عن عدم موضوعية الفعل العلاجي لأن الطبيب يتكفل بمثيله  في الخلقة  بصفة  كلية أو جزئية  أي انه يؤثر في كيان نضير له في البنية والنفسية على حد سواء.

يحدث هذا الإشكال كذلك في كل العلوم الانسانية كعلم الاجتماع مثلا، إذ يدرس الإنسان مواضيع هو جزء فاعل فيها، مما يحتم على الدارس مزيدا من الموضوعية  والحياد، ففي العلوم التجريبية  يكون الانسان بعيدا عن حقل التجربة غير منغمس فيه وقد يكون محله فيما بعد، والطب يأخذ بقواعد واستنتاجات التجارب ويطبقها الطبيب على مخلوق من نفس الجنس، مما قد يسمح بتفاعل عاطفي مباشر نحو متلقي العلاج قد يكون سببا في إفساد وإضعاف مستوى ونوعية  العلاج، فالتطبيب فعل مقترن بقواعد اخلاقية عالية تضبطه  لأنه يجمع خبرات الإنسان قصد الاهتمام والرعاية التامة بصحة الإنسان نفسه من الناحية الوقائية والعلاجية والنفسية الاجتماعية.

وعلى هذا الأساس قام الطبيب الفيلسوف الفرنسي “جورج كانغيلام” بعد منتصف القرن العشرين  بطرح تساؤل عميق هو “هل يمكن بل هل يجب على الطب أن يكون له  مدخلٌ إلى قضايا إنسانية ملموسة؟” على اعتبار أنَّ المستوى الحضاري العام لأي مجتمع يقاس أساسا بمستوى جودته ووفرته الإنتاجية المادية والفكرية وأن العامل الجوهري في هذه الجودة الانتاجية المجتمعية هو الفعل الانساني بعد ان فرض هذا العامل نفسه كمفتاح للتطور، لان الإنسان هو وسيلة التنمية وأداتها وهو في نفس الوقت هدفها وغايتها، وليس فقط العامل التقني المادي الذي لعب دورا وقتيا وجزئيا خلال عصر التصنيع بعد القرن التاسع عشر، علما أن الجودة والإتقان الإنساني المطلوبين  لا يمكن لهما ان يتحققا الا في كنف صحة بدنية ونفسية مناسِبة بل جيدة للعنصر البشري،  خاصة وان عصرنا هذا يتطلب مستوى عاليا من الاقتدار الصحي والنفسي والسكينة المجتمعية لتحمُّل ضغوط العصر الشديدة حتى يتسنى للإنسان ليس فقط الصمود والبقاء، بل الانطلاق والتميز تحقيقا للمعايير العالية لجودة الأداء الإنساني. لقد اصبح من الضروري بمكان اماطة اللثام عن الأسباب النفسية والاجتماعية الجديدة  للإفراط في العلاج  وظهور فئة “المرضى الأبديين”  أي الذين يخشون المرض ويفرِّطون في ذلك ويركزون تفكيرهم حول هذا الحال، وسلوكياتهم في الوسط الاجتماعي وآثار ذلك على عملهم وعطائهم وحتى علاقاتهم مع الآخرين، لأنه  بغض النظر عن الاسباب التي أحصاها علماء النفس والمتعلقة ببعض الصدمات خلال الطفولة او وفاة احد الاقارب جراء مرض حاد او مزمن او حتى خوض تجربة مرهقة مع مرض كلل بالشفاء، باستثناء هؤلاء، تبقى بعض الحالات غير مفسَّرة إطلاقا.

وهنا يجب دراسة ظاهرة “إضفاء الطابع التجاري على الفعل الصحي” أو “لامارشونديزاسيون  دو لامدسين” حيث يعمد بعض الأطباء إلى المغالاة والإكثار في طلب بعض التحاليل والكشوف وحتى إجراء بعض العمليات “الملحق الدودي والولادة القيصرية” وأصبح دعاة الامتناع عن هذه الأفعال “ابسطونسيونيست” يقودون فئة مروّجي مثل هذه السلوكيات “انترفونسيونيست” خاصة بعد تنامي القطاع الخاص وضعف المؤسسة الصحية العمومية، مما قد يرهق المرضى ماديا، وحتى الدول المتطورة عانت من مثل هذه التصرفات وصرح خبراؤها انه بعد ان وفرت أنظمتهم الصحية للأطباء جل أدوات الكشف الطبي انزلقت الاحوال نحو الافراط في استعمال هذه الترسانة الطبية مما انجر عنها مصاريف زائدة وغير ضرورية مما أثقل كاهل المرضى وصناديق الضمان الاجتماعي.

قد نبحث في خضم هذه المقاربة التي تحاول اقحام علم الاجتماع في الطب تفعيلا حقيقيا عبر العمل التشاركي المنسق والمتعدد الخبرات قصد مراجعة بعضا من هذه الاختلالات، قلت نبحث في ملف “تشريد الطب” أو محور ما يسميه خبراء علم المنظومات الصحية “لا كلوشارديزاسيون  دو لا ميدسين” ويتعلق هذا  الموضوع ببعض الضعف المتعدد الأسباب لمستوى التكفل الطبي وانحدار هذا الفعل الصحي أحيانا إلى درجة دنيا وحشره في ظروف سيئة وغير ملائمة إطلاقا.

لقد أصبح من الضروري بمكان إماطة اللثام عن الأسباب النفسية والاجتماعية الجديدة  للإفراط في العلاج  وظهور فئة “المرضى الأبديين”  أي الذين يخشون المرض ويفرِّطون في ذلك ويركزون تفكيرهم حول هذا الحال، وسلوكياتهم في الوسط الاجتماعي وآثار ذلك على عملهم وعطائهم وحتى علاقاتهم مع الآخرين، لأنه  بغض النظر عن الأسباب التي أحصاها علماء النفس والمتعلقة ببعض الصدمات خلال الطفولة أو وفاة احد الأقارب جراء مرض حاد أو مزمن أو حتى خوض تجربة مرهقة مع مرض كلل بالشفاء، باستثناء هؤلاء، تبقى بعض الحالات غير مفسَّرة إطلاقا.

قد لا نحتاج إلى ذكر أصل الطب وقيمته الموضوعية وإسقاطاته على المجتمع وتداخل عديد القطاعات في الفعل الصحي بطرق مختلفة أو مشروعية  تاريخية  الطب وابستمولوجيا  فلسفته الاجتماعية، بل نغوص بكل شجاعة وموضوعية في الإشكالات القائمة اليوم على مستوى التنظيم والتنسيق والأداء الطبي  وتغيير الرؤية الاجتماعية السائدة عند اطباء الدول النامية  في جل حالاتها وكل الدول ذات المرتبة المنخفضة  في مؤشر التنمية البشرية العالمية، والتي بمقتضاها أصبح أطباؤها يستهلكون المنتوج العلمي والمعرفي  لدول دخلت عالم البحث منذ عقود ولم تكن أحوالها آنذاك أحسن من أحوالنا اليوم، والتحول إلى الانفتاح على كل التجارب العالمية الرائدة  والمساهمة فيها قولا وفعلا والتكيف الناجع مع القاعدة المعرفية العالمية الرائدة قصد المساهمة والإضافة الخاصة والفاعلة والمؤثرة مساهمة في الانتاج الفكري العالمي مما يدفع بالطبيب العربي المسلم الى ايجاد مكانه في حقل الإبداع والاكتشاف.

وإن استطعنا تبنِّي العمل المتعدد القطاعات والخبرات وأقحمنا فعليا التنظيم الصحي بالجانب الاجتماعي وجعلناه ورشة مفتوحة دائما وأبدا تضبطها المتغيرات المرضية والمعيشية في عموم أحوالها عبر مخططات وطنية وجهوية ومحلية والانتقال من التركيز الشديد على الهياكل وتنظيمها إلى الاهتمام باحتياجات التكفل الجيد بالمرضى وتوفير الظروف الملائمة لتكريس ذلك عبر تأهيل وتثمين عمل  مهني القطاع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!