-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مكيالُ الوظيف العمومي.. واحدٌ أم اثنان؟

جمال غول
  • 1318
  • 1
مكيالُ الوظيف العمومي.. واحدٌ أم اثنان؟

عندما أنشئ جهاز الوظيف العمومي في 1962 (المرسوم رقم 62-526)، تمَّ إلحاق عدد كبير من القطاعات به، كقطاع الشّؤون الدينيّة والأوقاف، والتربية الوطنيّة، والصّحة العموميّة، والتّعليم العالي والبحث العلمي، وموظّفي الجماعات المحليّة، ضمن ما يُسمّى بـ”الأسلاك المشترَكة”، فكان من البديهي أن يكون جهاز الوظيف العمومي هو الحارس الأمين للحقوق المشترَكة للموظفين المنتمين إليه.

الشّرع والقانون والمنطق والعرف يوجبون أن يكون تعامل هذا جهاز الوظيف العمومي مع جميع القطاعات المنتمية إليه أو بالأحرى التي ضمّها إليه، تعاملًا عادلًا من خلال الكيل بمكيال واحد في كلِّ ما تعلّق بالوظيفة، من حيث كونُها وظيفة عموميّة، تأطيراً وتنظيماً واستشرافاً، وكذا العدل في العطيّات والعلاوات المتعلّقة بنفس المهام، مثل ما هو مطلوب من الوالد في تعامله بالعدل بين أولاده بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم)، بعيداً عن مبدأ: (اللي غاب عن الاحتجاج القوي غاب حقه)؟! وهذا مبدأ غابيٌّ يُفترض أن لا يكون له وجود في القرن الواحد والعشرين، لأنّه يؤسِّس لمنظومة مجتمعيّة مصيرها التفرّق والتمزّق والتّهالك.

إن الواقع المعيش مليءٌ بالوقائع والحالات التي تتطلّب معالجة أساسها العدل بين القطاعات، ومكيالها واحد في كل التقديرات والموزونات، نذكر بعض صورها البارزة التي أوقعت موظفي بعض القطاعات في العنَت من جهة، وهُضمت بعض حقوقهم من جهة ثانية، وألبستهم لباس الفقر من جهة ثالثة، وكلُّ ذلك يمثل عقبة كؤودا في وجه التّنمية المجتمعيّة التي هي أساس الانطلاق نحو الحضارة، ومنها:

أوّلًا- عندما يُعدَّل القانونُ الأساسي لقطاع التربية الوطنية بعد تعديله في 2008، إذ تمّ تعدليه في 2012 (مرسوم تنفيذي رقم 12-240 مؤرخ في 29ماي 2012)، ولا تعدَّل القوانينُ الأساسية الخاصة بالقطاعات التي طالبت بذلك وتلك التي تضمّنت اختلالات على مستوى النص القانوني وعلى مستوى الممارسة والتطبيق، فأيّ مفهوم يمكن أن نلحقه بهذا المنحى التعاملي؟! مع التنبيه إلى أنّ بعض القوانين الأساسيّة الخاصّة تكتسي أولويّة وتتطلّب ضرورة التعديل لمعالجة النقائص والاختلالات التي اشتملت عليها، ومنها القانون الخاص بقطاع الشؤون الدينية والأوقاف.

ثانياً- عندما ينص المرسوم الرئاسي رقم 07-304 على أن الترقية في الدرجة تتم وفق ثلاث وتيرات (الدنيا والمتوسطة والقصوى) وينص على أن بعض القوانين الأساسية الخاصة بالقطاعات تكرِّس هذه الترقية بوتيرتين فقط هما المتوسطة والقصوى (المادة 12)، وهو الحال في قطاع التعليم العالي (مرسوم رقم 08-130مؤرَّخ في 03/05/2008، المادة 19منه)، والتربية الوطنية (مرسوم 08-315 مؤرخ في11/10/2008، المادة 21 منه)، وتبقى قطاعاتٌ أخرى كقطاع الشؤون الدينية والأوقاف الذي تتم فيها الترقية بالوتيرة الدنيا أو البطيئة (ثلاث سنوات ونصف سنة)، ففي أي خانة يمكن تصنيفُ هذا التعامل بين القطاعات؟! وإذا كان ذلك من باب رفع قيمة العِلم الذي يحمله الأستاذ، وهو مبدأ صحيح، فلماذا لا يُطبَّق على الأئمّة بمختلف رتبهم إكراماً للقرآن الكريم والعلم الشّريف الذي يحملونه ويُبلّغونه ويُصلحون به المجتمع؟

ثالثاً- عندما يتمُّ إدماج الرّتب المسمّاة بـ”الآيلة للزوال” -مع تحفّظنا على هذه التّسمية- في رتبٍ جديدة، فيُفرَّق في قطاع التربية الوطنيّة على سبيل المثال بين من له أقدميّة عشر سنوات في تلك الرّتبة، ومن له أقدميّة عشرين سنة، فيُدمَج في الرّتبة الأعلى مباشرة من له أقدميّة عشر سنوات، بينما يدمَج صاحب أقدميّة عشرين سنة في رتبة أعلى من الرّتبة الأصليّة برتبتين اثنتين (تعليمة وزارية مشتركة رقم 004 ورقم 003 مؤرختان على التوالي في 06 جويلية 2014 و12أكتوبر 2015 بين المديرية العامة للوظيف العمومي والإصلاح الإداري، ووزارة المالية، ووزارة التربية الوطنية)، أمّا في قطاع الشّؤون الدينيّة والأوقاف فلم يترقَّ من عنده أقدميّة ثلاثين سنة إلّا للرّتبة الأعلى فقط! فجاء إدماج الرّتب الآيلة للزّوال في قطاعنا إدماجاً موحّداً دون مراعاة للأقدميّة سواء كانت عشر سنين أو ثلاثين سنة! فلِمَ يُهضَم جهدُ عشرات السِّنين بعدم تثمينه في الترقية في الرّتب، كاعترافٍ بما قدّموه قبل أن يكون تكريماً من الناحية الماديّة، رغم ضعف الأثر المالي المترتّب عن مثل هذه الترقيات؟!

رابعاً- عندما يمنح التّصنيفُ للإمام الأستاذِ الرّئيسي في الصّنف 14، وهو المطلوب منه شهادة ماجيستير وشهادة حفظ القرآن الكريم، ويُمنَح نفس التصنيف للحاصل على شهادة الماجستير فقط في القطاعات الأخرى (مرسوم رئاسي رقم 07-304)، فهذا يعني أن شهادة حفظ القرآن الكريم لا اعتبار ولا وزن لها من حيث التّثمين في هذا المقام وفي مقاماتٍ أخرى، فلماذا لا يُثمَّن جهدٌ عظيم كجهد حفظ القرآن الكريم من جهة؟ وكيف يُسوَّى بين من يُطلب منه شرطان ومن يطلب منه شرطٌ واحد من جهة ثانية؟

خامساً- عندما تكون التّرقية في الوظيف العمومي حقّاً لكلّ موظّف (المادّة 38 من الأمر 06-03) بأنماطها الثّلاثة، وتُحرَم من جميعها رتبٌ في قطاعنا (المؤذّن وأستاذ التعليم القرآني) رغم أنّها رتبٌ يُطلب منها تكوينٌ في معاهد القطاع لسنة وسنتين، ويُطلب من إحداها شرط حفظ نصف القرآن الكريم ومن الأخرى حفظه كاملا، فلماذا تُحرَم هذه الرتب من الترقية أساسا؟ ولماذا تحرَم من تعويض عن تلك الترقية بالنقاط الاستدلالية كما هو منصوصٌ في المادة 117 من الأمر 06-03 فلا هي استفادت من الترقية ولا من نقاطٍ استدلالية إضافية، فهي لا في العير ولا هي في النفير؟!

عندما تكون التّرقية في الوظيف العمومي حقّاً لكلّ موظّف (المادّة 38 من الأمر 06-03) بأنماطها الثّلاثة، وتُحرَم من جميعها رتبٌ في قطاعنا (المؤذّن وأستاذ التعليم القرآني) رغم أنّها رتبٌ يُطلب منها تكوينٌ في معاهد القطاع لسنة وسنتين، ويُطلب من إحداها شرط حفظ نصف القرآن الكريم ومن الأخرى حفظه كاملا، فلماذا تُحرَم هذه الرتب من الترقية أساسا؟

وما مبرّرات ومسوّغات الوظيف العمومي لكلِّ هذه الصُّور التي تنطق وتنادي: أين الإنصاف؟ ما عيبُ الكيل بمكيال واحد وما جريرُته حتّى نلجأ إلى الكيل بمكيالين؟ أليس منهج قوة الإقناع وقوة الحجة بأولى من منهج قوة الضغط والاحتجاج؟

إلى متى تبقى لغة الاحتجاج والإضراب هي اللغة الوحيدة المسموعة والمفهومة عند بعض أصحاب القرار؟ إنّ التّجاوب مع منهج قوة الإقناع والحجة هو الطريق الأسلم الموصل إلى شاطئ الأمن والاستقرار، المنجي من تلاطم أمواج “التخلاط” العاتية، والمغيِّر للذّهنيّات التي تقتات من مستنقع الفتن المظلمة، إنّ هذا التجاوب المطلوب هو الذي يؤسِّس للشّراكة الاجتماعيّة التي لا غالب فيها ولا مغلوب، والنتيجة فيها دائماً لصالح الوطن بكلِّ مكوِّناته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • العدل اساس الملك

    الوظيف العمومي لايخضع للقانون في هذه المسائل وانما يخضع للنفوذ والضغوط في كل قطاع .وهذا في نظري سبب التمييز .وقطاع الشؤون الدينية لايملك وسيلة ضغط فلا يستطيع الائمة مثلا ان يضربوا عن العمل فيغلقوا المساجد لأن ذلك مرفوض دينيا ومجتمعا ..والحل ان تقوموا برفع الامر الى اعلى سلطة لعل وعسى