الرأي

ملء سد النهضة يفتح جبهة حرب الوجود!

أخذت أزمة دول حوض النيل المنحى التصاعدي، مع بدء الملء الثاني لسد النهضة بقرار أثيوبي لم يحسب حسابا لأحد، وتركت للمتضررين حرية البحث في خيارات المواجهة المؤجلة.

التزمت مصر والسودان بخيار دبلوماسي مبدئي، استدعى بقاء وزيري خارجيتهما في نيويورك من أجل إجراء لقاءات متواصلة مع أعضاء مجلس الأمن الدولي، سبقت انعقاد جلسته المخصصة لأزمة سد النهضة يوم الخميس الماضي.

استند وزيرا خارجية مصر والسودان في حواراتهما الدبلوماسية، على إبلاغ المجتمع الدولي رفضهما القاطع لإقدام أثيوبيا على الملء الثاني لسد النهضة، باعتباره سلوك ينسف اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث عام 2015.

قرار مصري سوداني يجري تنفيذه حاليا كخيار مبدئي أولي، هو الاستمرار في إجراء الاتصالات والمشاورات مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بنيويورك، من أجل اكتساب دعم لموقفهما قبل اللجوء إلى أي خيارات أخرى.

بدأت إثارة تصعيد الأزمة بتلقي وزير الموارد المائية والري المصري بلاغا من نظيره الأثيوبي يعلن فيه بدء إثيوبيا الملء الثاني لخزان سد النهضة، بما دعا الدبلوماسية المصرية للتحرك على عجل بالتنسيق مع السودان، وإبلاغ مجلس الأمن بمضمون بلاغ حكومة أديس أبابا.

ما حملته مصر والسودان إلى مجلس الأمن الدولي، رؤية واقعية قانونية تضمن حقوق دول حوض النيل دون استثناء أحد، يتطلب دعمها من قبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، تقوم على “ضرورة التوصل لاتفاق ملزم قانونا حول ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق دولتي المصب “مصر والسودان” من أضرار هذا المشروع”.

يدرك مجلس الأمن الدولي أن الإجراء الإثيوبي الأحادي ينتهك كل القوانين والأعراف الدولية الحاكمة لاستغلال موارد الأنهار العابرة للحدود، وهذا الانتهاك الصريح بحد ذاته، يدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ قرار يلزم أديس أبابا باحترام القوانين الدولية منعا لحدوث كوارث أمنية يصعب احتواءها.

السلوك الأثيوبي الأحادي بملء سد النهضة، فعلا كما رأته مصر والسودان يعد كشفا عن “نوايا سيئة”، ورغبة في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وعدم اكتراثها بالآثار السلبية، والأضرار التي ستضرب القاهرة والخرطوم في أمنهما المائي.

مصر ومعها السودان، فقدتا الثقة باستمرار المفاوضات مع أثيوبيا، دون حدوث تقدم إيجابي تتوافق عليه الأطراف الثلاثة وتؤمن مصالحهم، وإيقاف المحادثات، ولجوء أثيوبيا للملء الثاني دون اتفاق، لم يطرح خيارا آخر غير خيار التحرك الدبلوماسي حاليا في إطار دولي.

الخيار العسكري في مواجهة التعنت الأثيوبي مازال بعيدا، رغم التلمحيات التي أطلقها الرئيس المصري أثناء “مناورات قادر العسكرية2021″، ورغم تطور قواسم الدفاع العسكري المشترك بين القاهرة والخرطوم، فالوقت المستنزف حاليا خصص للحركة الدبلوماسية كخيار متاح لم يستنفد حظوظه بعد.

الموقف الراهن بات قريبا من الأبواب المغلقة، مع موقف مجلس الأمن الدولي الذي أبقى الأزمة في إطارها الإقليمي ووضعها ضمن مهام الاتحاد الإفريقي، وهو يقف اليوم أمام امتحان تجسيد جديته، وفق القوانين والأحكام المعمول بها دوليا، لمنع أي كوارث أمنية أو إنسانية تلوح بوادرها في الأفق القريب، فإفريقيا لا تحتمل أكثر مما تتحمله الآن.

مقالات ذات صلة