-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ملفات ثقيلة تنتظر الوزير كمال بيداري

محمد بوالروايح
  • 1831
  • 0
ملفات ثقيلة تنتظر الوزير كمال بيداري

الناس أمام المسؤولية فريقان، فريق نكرة يجد نفسه في القمة من غير جهد لأنه تسلّق وتملّق فحقّق ما أراد، فإذا انتهت سنوات المن والسلوى عاد نكرة كما كان لأنه كان في الموقع الخطأ وكان يؤدي دورا أكبر منه ويجلس على كرسي لم يجعل لأمثاله، وفريق وصل إلى القمة بجهده من غير تسلّق ولا تملّق فإذا أنهى سنوات الخدمة عاد أفضل مما كان لأنه كان في الموقع الصحيح وكان في مستوى الدور المنوط به.

والناس أمام المنصب فريقان، فريق يغير بالمنصب وتكون عهدته عامرة بما ينفع البلاد والعباد، وفريق تكون عهدته “عليها غبرة ترهقها قترة” ووبالا على البلاد والعباد. لست هنا في مقام الحكم على الآخرين رجما بالغيب بل في مقام الحكم عليهم بما أعلم وما شهدنا إلا بما علمنا، فقد سبرت في مشواري المهني الفريقين وخرجت في النهاية بهذه النتيجة التي أذكرها بكل إنصاف غير متحيز إلى فئة لأن غايتي إرضاء ربي وليس إرضاء الناس، فإرضاء الناس غاية لا تدرك.

إن التقدم الذي تحرزه جامعة الوادي وجامعة المسيلة في التصنيف الوطني للجامعات دفعني إلى تحليل الأسباب الكامنة وراء ذلك، فوجدت أن حسن القيادة وحسن الإدارة هما العاملان الأساسيان لهذا التقدم، فمدير الجامعة هو المحرك الفعّال لأي مبادرة إيجابية ومشروع هادف داخل الجامعة والعكس صحيح، فكما قال أبو الطيب المتنبي: “على قدر أهل العزم تأتي العزائم”. إن منصب مدير الجامعة ليس منصبا سياسيا وحسب وإن كانت هذه هي الصفة الغالبة عليه وإنما هو منصب علمي كذلك ومديرو الجامعات في ذلك “طرائق قددا”، فمن مديري الجامعات من يمتلك مخططا علميا لتطوير الجامعة مستوحى من تجربته العلمية، ومن مديري الجامعات من لا يمتلك مخططا علميا ولا حتى مخططا للعمل أصلا فيطفق منذ لحظة تعيينه يخبط خبط عشواء لأنه لا يهمه أولا وأخيرا إلا خدمة نفسه وحاشيته وإطالة عهدته.

اطلعت على سيرة الوافد الجديد على مبنى ابن عكنون الوزير “كمال بيداري” واستمعت إلى خطاباته ومداخلاته، فوجدت أن اختياره على رأس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كان موفقا فالرجل واحد من عقول الجزائر التي هاجرت لطلب العلم ولكنها لم تهجر وطنها وأسهمت في نهضته العلمية والتكنولوجية. لقد أبدع الوزير كمال بيداري في الهندسة الجيوفيزيائية التي بعد قطبا من أقطابها، كما أبدع أيضا في الهندسة البيداغوجية وهو صاحب المدونة المشهورة “دليل تطبيق ل .م.د” وكذا مشروع “طالب خمس نجوم”، وهو المشروع الذي يندرج -كما قال- ضمن مخطط جودة التكوين، فطالب خمس نجوم كما يقول البروفيسور كمال بيداري يجب أن يجتاز المراحل الآتية: “المرحلة الأولى أن يكون من الأوائل أي من الطلبة النجباء، والمرحلة الثانية أن يقوم بعمل له علاقة بالمؤسسة الاقتصادية، والمرحلة الثالثة أن يكتسب تكوينا ومهارات في تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتعلم اللغات الأجنبية، والمرحلة الرابعة أن يكون معروفا بالحركية والاستعداد على سبيل المثال للتوجه إلى تمنراست لتعلم مادة ما، والمرحلة الخامسة أن يقوم بعمل اجتماعي”.

إن أفكار الوزير البروفيسور كمال بيداري أفكار جادة تتماهى مع التوجهات الجديدة للجامعة ولذلك فإننا نتمنى تجسيدها في الواقع من موقعه وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، وهي مهمة لا نحسبها أكبر منه ولكننا نضع في الحسبان أيضا الصعوبات التي قد يواجهها. لا نشك في علم وحزم الوزير ولكننا نذكر بالملفات الثقيلة التي تنتظره ونحن على أيام معدودات من الدخول الجامعي:

أولا: ملف الدكاترة البطالين الذي لا يزال يتنظر حلا حاسما ونهائيا ينهي هذه الأزمة التي هي نتاج تراكمات كثيرة وأخطاء في رسم وتنفيذ خريطة التكوين في مرحلة ما بعد التدرج التي لا تستند إلى معطيات مدروسة فكانت نتيجتها وجود نسبة كبيرة من الدكاترة البطالين الذين يطالبون بحقهم في التوظيف في مؤسسات التعليم العالي.إن تمرس الوزير كمال بيداري في مجال الهندسة البيداغوجية والتكوينية يؤهله لحل مشكلة الدكاترة البطالين ليس دفعة واحدة ولكن بالتدرج المتأني والعقلاني الذي يحلل الأسباب ويقترح الحلول بطريقة ترضي هذه الشريحة التي تتطلع إلى الحل مع كل وافد جديد إلى مبنى ابن عكنون يأخذ مشكلتهم بعين الاعتبار ويخطو خطوات عملية في هذا الاتجاه.

ثانيا: ملف نظام ل.م .د الذي يقوم على ركيزتين اثنتين: المنهج والأنموذج، فقد انصبت جل ورشات إصلاح نظام “ل.م.د” على الجانب المتعلق بالمنهج من حيث ملاءمته أو عدم ملاءمته للجامعة الجزائرية وأهملت الجانب المتعلق بالأنموذج، فنظام “ل . م.د” من حيث المنهج نظام لا غبار عليه وقد أثبت نجاعته في كثير من الدول، لأن المنهج فيها كان مسايرا للأنموذج، وهو ما أهملته جل النقاشات التي جرت في مؤسساتنا الجامعية حول إصلاح نظام “ل. م.د”، فأعتقد أن الوزير كمال بيداري الذي يملك تجربة متعددة في مجال إصلاح التعليم الجامعي بإمكانه أن يحدث نقلة نوعية في مجال التعامل مع هذا الملف وهذا مشروط بإشراك كل اللجان البيداغوجية في هذا المسعى خدمة للجامعة الجزائرية حنى تتفرغ لمهامها التكوينية والتعليمية وللمضامين بدلا من الاستمرار في مناقشة الأشكال والأنماط.

ثالثا: ملف التربصات قصيرة وطويلة المدى التي ترصد لها ميزانية ضخمة ولكن حصادها قليل بالنظر إلى حجم ما ينفق عليها، فهذا الملف بحاجة إلى مراجعة شاملة ودراسة معمقة تقوم على تقييم برامج التربصات بما يخدم مشاريع التنمية الوطنية حتى لا تتحول هذه التربصات إلى شكل من أشكال تبديد المال العام.

رابعا: الملف الخاص بالوضعية الاجتماعية للأستاذ الجامعي وإعادة تموقعه في المجتمع وذلك بإيلاء أهمية قصوى لرأسمال العلمي الذي يعد عاملا أساسيا من عوامل نهضة المجتمع ورقيه وازدهاره، وهناك تجارب حيّة في هذا الجانب في العالم المتطور يمكننا القيام بها في الجزائر، وهي التجارب التي تجعل الأستاذ في صدارة المكونات الاجتماعية ومركز اهتمامات الدولة.

خامسا: ملف القيادة الجامعية حيث نأمل من الوزير الجديد كمال بيداري تجسيد توجيهات السيد رئيس الجمهورية المتعلقة بتطوير المؤسسة الجامعية وتهيئتها لخوض معركة المعرفة ولا يتحقق هذا إلا بجلب الكفاءات وعزل الفاشلين الذين يمثل بقاؤهم على رأس هرم المؤسسات الجامعية هدرا لجهود الدولة في مجال الإصلاح الجامعي وتمييعا لمبدأ المقاربة بنوعية القيادات الجامعية في تطوير المؤسسة الجامعية لمواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها عصر العولمة.

سادسا: ملف الانتقال من الجامعة الكلاسيكية (الورقية) إلى الجامعة الرقمية، حيث قطعت بعض الجامعات أشواطا لا بأس بها في هذا الجانب في حين لا توال بعض الجامعات رهينة الطرائق القديمة والدليل على ذلك الملصقات الكثيرة على اللوحات الإشهارية. إن تسيير ملف الرقمنة يحتاج إلى كفاءات متمرسة في هذا الجانب ولا ينبغي أن يكون عملا يجبى إليه الهواة وعديمي الخبرة والتجربة بدعوى الأقدمية المزعومة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!