الرأي

“منتدى الوسطية”.. قناعة أمْ فقاعة؟!

أرشيف

قبل أيام قليلة، أعلنت قيادات سابقة في عدة أحزاب سياسية جزائرية عن تشكيل فضاء فكري عام، أطلقت عليه تسمية “المنتدى العالمي للوسطية”، برئاسة الوزير السابق، زعيم حمس، أبو جرة سلطاني، رفقة وجوه أخرى، من حمس والنهضة والتجمع الوطني الديمقراطي وحتى شيوخ الزوايا.

ولأن مثل هذه المبادرات غير مألوفة في بلادنا، لغياب أو تغييب النخب الفكرية والأكاديمية عن المشهد العام، فقد التبس الأمر على الكثير من متلقّي الخبر، حتى أن كثيرا منهم راح يتحدث عن ميلاد جمعية وطنيّة جديدة تجمع شتات السياسيين!

بداية، يجب أن نثمّن بروز أي واجهة يمكن أن تقدم “قيمة مضافة” للساحة الجزائرية في كافة المجالات، ويصبح الاحتفاء ذا أهمية أكبر، عندما يتعلق الأمر بالإعلان عن إنشاء فضاء فكري للنقاش والحوار، من أجل التقريب وتوحيد الرؤى بين النخب الوطنية بمختلف مشاربها.

لكن مع ذلك، فإنّ توقيت وتشكيلة “المنتدى الجزائري” تثير العديد من التساؤلات والاستفهامات من حيث السياق السياسي، والأدوار المنتظرة لهذه “الهيئة” غير التنظيمية، خصوصًا في المرحلة القادمة على أبواب الاستحقاق الرئاسي في 2019.

ثم احتمالان أساسيّان يفرضان، وفق مؤشرات موضوعية، نفسيهما في معرفة خلفيات استحداث المنتدى، وعلى ضوئه يمكن التنبؤ بمسار ومصير هذا الفضاء الفكري السياسي، والذي قد يكتب له النجاح والاستمرار أو الاختفاء السريع، بموجب قانون “الولادة الميتة”!

من خلال الملاحظة المباشرة في طبيعة الشخصيات المشكلة للمنتدى، يتضح جليّا أنها في عمومها لا تجد نفسها منسجمة مع قياداتها الحزبية سياسيا أو تنظيميا، وبعضها صارت خلافاته مع قاطرة الحزب علنيّة وعميقة أحيانًا، ما يعني أن لجوءها لخلق فضاء بديل، هو نوع من التخلّي عن المواجهة والصدامية داخل التنظيم، والبحث عن دور مستقل لفائدة الوطن، وفي هذه الحالة يصبح سلوكها محمودا، مهما كان مصدره عن عجز أم قناعة.

لكن في المقابل، قد يكون هروبها من النشاط داخل التنظيم إلى المنتدى العام هو مناورة للاستمرار في مواقفها السياسية، حتى تتحرّر من الالتزام الحزبي بخيارات لا تعبر عن قناعاتها بشأن الأحداث الوطنية الكبرى، وإن كان مثل هذا المسلك السياسي أقل ضررا من تكلفة الانقسام والانشقاق، فإنه يبقى ممجوجًا أخلاقيّا، باعتباره خروجًا عن الإجماع التنظيمي، ويعكس نقص الشجاعة في النضال من داخل التشكيلة السياسيّة، طبعا نحن نستثني أولائك الانتهازيين الذين لا تهمّهم كثيرا الواجهات الحزبية، بقدر ما تعنيهم المواقع والمغانم حيثما كانت!

إنّ توصيف “الوسطية” الذي ورد في عنوان المنتدى يحمل مدلولاً سياسيّا بالدرجة الأولى، على خلاف المعنى الشائع في أدبيات الإسلاميين، والذي يضع تيارًا منهم، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون، ضمن محور الاعتدال الدعوي والفقهي والعقدي، لأنّ عضويّة المنتدى الجزائري مفتوحة لجميع الاتجاهات، وبالتالي يصبح التعبير واضحا جدّا في اتجاه التموقع الوسطي من أجل النأي بالنفس عن “المعارضة الضريبيّة”!

مهما كانت النوايا والدوافع والمقاصد، فإنّ الأمل الذي نرجوه، هو أن يتحوّل المنتدى إلى فضاء فكري فعلي، يُسهم في إنتاج المقاربات والتصورات لترقية الطبقة السياسية والممارسة المدنيّة، وقبلها تنوير السلطات والمجتمع بالأفكار الناجعة لتطوير البلد، أمّا منتهى الحذر فهو أن نكتشف لاحقا أنه مجرد فقاعة ومركبة جديدة، امتطاها باحثون عن حصاد في موسم الجفاف!

مقالات ذات صلة