-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منتدياتٌ للحوار ولا حوار!

محمد بوالروايح
  • 1673
  • 2
منتدياتٌ للحوار ولا حوار!
ح.م

منتديات الحوار التي تعقدها المعارضة السياسية المنقسمة على نفسها عمليا إلى معارضات كثيرة -إن صح التعبير- أكثر من أن تحصى ومنها: المنتدى الوطني للحوار الذي انتظم في “عين بنيان”، ومنتدى التغيير، والمنتدى الذي دعت إليه مجموعة ما يسمى “البديل الديمقراطي”، ومنتديات أخرى فضّل أصحابُها الانزواء والبُعد عن الأضواء.

إن أقل ما يقال عن هذه المنتديات مجتمعة أنها منتديات بينية لتكتلات سياسية تجمعها إيديولوجيا موحدة وتتبنى مبدأ راديكاليا ثابتا وهو معارضة كل ما يصدر عن التكتل السياسي الآخر في صورة النظام القائم أو من يدور في فلكه، منتديات جاء في بياناتها الإعلامية بأنها منتديات للحوار الوطني، وهي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذا المسعى لأنها لم تخطُ خطوة حاسمة في هذا الاتجاه ولم تبدِ رغبة صادقة في هذا الحوار بعيدا عن حسابات الولاء السياسي وربما الإيديولوجي حسب تقدير بعض الملاحظين والمحللين السياسيين.

كنت أودّ ألا تهدر المعارضة السياسية كثيرا من الوقت في حوار بيني أو حوار الذات وأن تركز بالأحرى على حوار وطني حقيقي يعجل ببناء التوافق الوطني الذي أضعناه وميعناه بجلسات “صديقة” لا تؤمن بالحوار مع الآخر إلا بقائمة عريضة من المطالب التي من شأنها أن تؤجل الحوار أو تؤجج -لا قدر الله- مشاعر الرفض المتبادلة التي أصبحت ثقافة رائجة في تعاملاتنا السياسية.

تعبِّر منتديات الحوار القائمة أو تلك المزمع إقامتها عن الموقف القديم الجديد للمعارضة السياسية التي ترى نفسها في غالب الأحيان صاحبة الحق ورائدة المنطق في التعامل مع المشكلات والمستجدات السياسية وأنها -مقارنة بغرمائها السياسيين- تقف على مسافة أقرب من تطلعات الطبقة الشعبية في سعيها لبناء دولة الحق والقانون، هذا هو التوصيف الحقيقي للإديولوجيا السياسية للمعارضة وهو موقف ظاهر متبادر يعرفه من يتعاطى السياسة ومن لا يتعاطاها على سواء.

تسير منتديات الحوار الوطني التي تنظمها المعارضة السياسية ومعها بعض التنظيمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني بمنطق أن الأزمة هي وليدة سياسات وتوجّهات السلطة أو ما كان يسمى إلى وقت قريب أحزاب السلطة وأن دور المعارضة يكمن في محاولة حلها أو حلحلتها بالكيفية المطلوبة وتحقيق التوافق الوطني.

ما جاء على لسان أحد الفاعلين في منتدى الحوار الوطني يؤكد ما ذهبتُ إليه قوله إن اللجنة المنظمة رأت ترك البيان الختامي للمنتدى مفتوحا أملا في استقطاب مزيد من القوى السياسية المعارضة وكأن المنتدى وجد ليكون إطارا لحوار المعارضة وليس إطارا لحوار وطني كما تشير إليه نشرات وبيانات هذا المنتدى.

ما جاء في البيان الختامي لمنتدى الحوار الوطني يمثل في اعتقادي بطاقة حمراء تشهرها المعارضة في وجه مخالفيها، وإلا كيف تفسر ثقافة الإقصاء المسبق، المعلن وغير المعلن، لجزءٍ من الطبقة السياسية من دون انتظار تحقق ذلك وفق الآليات التي يتم التوافق عليها مستقبلا والتي تحددها وتفرزها جلسات الحوار الوطني وما يتبع ذلك من التدابير التي سيتم وضعها لاحقا لهذا الغرض؟

إن ائتلاف المعارضة يقبل نظريا بالحوار سبيلا وحيدا لتجاوز الأزمة، ولكنه يلقي عمليا في طريق هذا الحوار معوقات فعلية، وهي رفض الحوار مع أحزاب بعينها لأنها كانت شريكة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في منظومة الحكم البائد، هذا الشرط وإن كان يمثل مطلب المعارضة والحراك الشعبي على حد سواء، إلا أنه صعب التحقيق من الناحية العملية؛ لأنه يقتضي إعادة تشكيل الخريطة السياسية الذي لن يكون إلا نتيجة من نتائج الحوار الذي لم ينطلق بعد.

إن الداعين والداعمين لفكرة الحوار الوطني كثيرون، ولكنهم منقسمون ومشتتون ولم يستطيعوا التحرُّر من أسْر الإيديولوجيا التي فرَّقتهم رغم التوافقات الكثيرة التي جمعتهم، وفي مقدِّمتها التوافق حول ضرورة اجتثاث بقايا النظام البائد ومنظومة الفساد وموافقة ومرافقة المؤسسة القضائية التي تعالج هذا الملف بكثير من الصرامة والحيادية والموضوعية.

منتدياتٌ للحوار ولا حوار، والسبب في ذلك ظاهر وهو أن هذه المنتديات بدلا من أن تحرّك المياه الراكدة كما كان منتظرا منها، فإنها تعمل ولو بطريقة مباشرة على تعميق الهوة بين الفرقاء السياسيين، بل حتى داخل ائتلاف المعارضة الذي أعتقد أنه لن يصمد كثيرا بالنظر إلى الخلافات والانشقاقات العميقة التي طفت إلى السطح، وخاصة فيما يتعلق بشكل وشريك الحوار وطبيعة الشخصية الوطنية المؤهَّلة لإدارته وإدارة المرحلة الانتقالية عند من يميلون إلى اعتماد هذا الخيار.

منتديات للحوار ولا حوار، لأن هذه المنتديات لم تفلح لحد الآن في تحديد صفات وملامح الشخصية الوطنية التوافقية رغم أن هناك شخصيات تحظى بالإجماع من الكل، ولكن ذكرها لمجرد الذكر وعدم تجسيد هذا الخيار في وثيقة توافقية يثير كثيرا من التساؤل حول جدية هذا المسعى رغم صدق النيات.

لا بد أن يشكل موضوع الشخصية الوطنية التوافقية نقطة الانطلاق والارتكاز من أجل إعادة تشكيل المنظومة السياسية والاقتصادية، هذا ما يأمله الجزائريون، ولكن ما الذي يؤخر أو يعيق تحقيق هذا الأمر وخاصة أن هناك استجابات وإشارات إيجابية من هذه الشخصيات الوطنية كما نلمسه من البيان الذي أصدره أحمد طالب الإبراهيمي الذي تضمَّن مقترحات جدية يمكن أن تشكل مع مقترحات شخصيات وطنية أخرى أرضية صلبة للخروج من الأزمة وبناء الجزائر الجديدة التي ننشدها جميعا.

هذه المنتديات لا تزال تؤمن بالعمل الأحادي ولم تبادر بعقد مؤتمر وطني للحوار لأنها في نظري لم تتحرر من الإيديولوجيا والرؤية والمواقف الذاتية التي دفعت بعضها إلى تقديم رجالها على أنهم شخصيات وطنية في الوقت الذي يصر فيه بعضها الآخر على تقديم آخرين، وبالمختصر المفيد فإن ما يرشح على أنه شخصية وطنية عند هذا التكتل السياسي يلقى المعارضة المطلقة والفورية من التكتل السياسي الآخر المضاد وهكذا دواليك، فأنى لنا بعد ذلك أن نصل إلى رأي توافقي بشأن الشخصية الوطنية التوافقية؟.

إن أول ما يجب التخلص منه من أجل إقامة الحوار الوطني هو فكرة التكتلات التي تقضي على كل فرص الالتقاء والتشاور والتحاور، وقد جرّبت بعض الدول هذا الخيار فتوصلت إلى إرساء حوار وطني شامل أفضى بدوره إلى تأسيس نظام سياسي صلب ومتماسك وعصيّ على كل الهزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فما الذي يمنعنا نحن الجزائريين من تحقيق ذلك؟.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الخلاط الجلاط

    الى محمد المعلق رقم واحد
    المصائب التي يتخبط فيها العالم المتخلف سببها الانقلابات ليس الا
    إلا إذا كان عرضك من قبل داويني بالتي هي الداء

  • محمد

    سياسة الكذب على الذات وعلى الشعب تلك هي وضعية فشل ذكائنا.نعلن ثورة وهي ليست بثورة لأن الثورة على نظام فاسد متجذر منذ الاستقلال لا يمكن الفوز بها إلا باستئصال كل من له علاقة بهيكلها.مما يعنى تغيير دستورها وقوانين إنشاء أحزابها بما فيها المعارضة والتكتلات الجمعوية والنقابية.لا يمكن الوصول إلى الهدف إلا بانقلاب عسكري يفرض لمدة معينة إعادة هيكلة الدولة أو بتنظيم تجمعات شعبية في كل بلديات الوطن مؤطرة من طرف أساتذة جامعيين ذوي الاختصاص الدستوري لأنشاء قوانين مؤسسة للدولة المتفق عليها.وإلا كيف نستطع انتخاب رئيس جديد والكلمة الفصل اليوم تتحكم فيها منطقة العاصمة وحدها.هل حقا نريد الخروج من أزمة خانقة؟