-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منطق فرعوني

منطق فرعوني

عندما يسمع المرء بعض المسئولين المصريين يتكلمون، أو يقرأ لهم يكتبون يجزم أن عرقا فرعونيّا نزعهم، لأنهم يتكلمون أو يكتبون وكأنّ الله – عز وجل- لم يخلق سواهم، أو كأنهم هم وحدهم الذين يملكون عقولا راشدة، وأفكارا سديدة، وأنظارا صائبة.. فلا يخرج من أفواههم، ولا يجري على ألسنتهم إلا الحكمة وفصل الخطاب.

إن هذه النزعة الفرعونية هي التي جعلت هؤلاء المسئولين المصريين يحترفون الوصاية على الأمة العربية، ويرون وجوب اقتدائها بهم، والاهتداء بآرائهم، مهما يكن سلوكهم، وكيفما كانت آراؤهم، ولو ألقت بها إلى التهلكة، وقادتها إلى الذّلّة والهوان.

ومن هذا المنطق الفرعوني ذلك التصريح المنسوب إلى وزير خارجية النظام المصري أبي الغيط (1)، الذي يؤكد فيه بقاء منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية حكرا على المسئولين المصريين، فلا يتولاّه إلاّ من كان أبواه مصريّين.. وما هذا التصريح إلا دليل على التدني السياسي، والتردي الأخلاقي، لأنه احتقار للدول العربية، واستهانة بها، واستعلاء عليها، وكل هذه الصفات ليست من المروءة والشرف في شيء.

لا حجّة لأبي الغيط في وجوب بقاء منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية حكرا على المسئولين المصريين إلا وجود مقر هذه المنظمة في مصر.

لو أخذت كل دولة توجد منظمة إقليمية أو دولية في أرضها بهذه “الحجة” لحقّ للولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض على دول العالم أن يكون منصب الأمين العام للأمم المتحدة حكرا على الأمريكيين، ولما أمكن في هذه الحال أن يتولاه پيير غالي (المصري)، ولحقّ لفرنسا أن تحتكر منصب الأمين العام لمنظمة اليونيسكو لوجود مقر هذه المنظمة في باريس، ولما استطاع فاروق حسني (المصري) أن يترشح إليه، ولحقّ لإيطاليا أن تتمسك بمنصب الأمين العام لمنظمة التغذية العاليمة

لوجود مقرها في روما، ولما أمكن لإدريس الجزائري أن يتولاه.. ولحقّ لأثيوبيا أن تحتكر منصب الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية لوجود مقرها في أديس أبابا….. وبهذا “المنطق” اللا منطق، وبهذه “الحجة” اللا حجة يكون المسئولون المصريون قد سنّوا سنّة سيئة عليهم أوزار العالم كلها.. ويكونون بذلك قد ألغوا كفاءات كثيرة في العالم، وأحيوا النظرية الفرعونية في السياسة والتسيير وهي كما جاء في القرآن الكريم على لسان فرعون: “ما أريكم إلاّ ما أرى”. فهل اتخذ المسئولون المصريون عند الله عهدا أن لا يمُنّ على غيرهم من العرب بالفكر السديد، والرأي الرشيد؟

إنهم إن ظنّوا ذلك فقد جاءوا إفكا مُبينا، فنعم الله – عز وجل- وفي مقدمتها العقل والحكمة ليست مقصورة على قوم، وليست محصورة في مكان.

إن إصرار المسؤولين المصريين على احتكار منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية يُوشك أن يُوقعهم في “اللعنة” إن وسّعنا مدلول حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- القائل: “المحتكر ملعون”، كما يجعلنا هذا الإصرار على هذا الاحتكار نستيقن أن فيه أمورا غير طيبة تُزري بصاحبه.

يقول المتمسكون ببقاء الحال على حاله، من استمرار منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية حكرا على المصريين إن ميثاق إنشاء هذه الجامعة ينص على ذلك، والرد على هذا القول هو أنه إذا كانت الظروف التي أنشئت في جوها الجامعة تطلبت التنصيص على ذلك، فإن تلك الظروف قد زالت، ومن تلك الظروف أن أكثر الدول العربية اليوم لم تشترك في إعداد ميثاق الجامعة، حيث كانت تحت السيطرة الأجنبية، وهذه الدول هي المغرب، موريتانيا، الجزائر، تونس، ليبيا، السودان، الصومال، عُمان، الإمارات، جزر القمر، قطر، البحرين، الكويت، فلسطين..

ثم إذا كان كل قانون أو ميثاق قابلا للتعديل والتغيير فلماذا يشذ هذا الميثاق أو هذا القانون عن التغيير أو التعديل؟ هل هو تنزيل من حميد حكيم؟

وكيف نطلب تعديل قانون أو ميثاق أية منظمة ونحن – أو بعضنا- متشبثون بميثاق إنشاء الجامعة العربية، رغم تناقضه مع أهم مبدإ من مبادئها وهو “المساواة بين الدول الأعضاء(2)”، ولا شك في أن أظهر مظاهر المساواة هو تداول منصب الأمين العام بين أبناء الدول العربية ممن تتوافر فيهم الشروط الضرورية لهذا المنصب.

إن إصرار مصر على احتكار هذا المنصب هو اتهام مباشر، وصريح بقصور أبناء الدول العربية الأخرى.. وإن قبول هذه الدول العربية بذلك هو إقرار منها بهذا القصور، وبالتالي فهم قاصرون حتى على إدارة شؤون أوطانهم..

إن المسئولين المصريين جعلوا من جامعة الدول العربية الناطقة باسم العرب جميعا؛ جعلوها “ملحقة” (annéx) بوزارة الخارجية المصرية، ولهذا فإن أكثر الأمناء العامين لهذه الجامعة هم وزراء خارجية مصر الذين “عجّزوا”، أو استُغني عنهم، فحُوّلوا إلى الجامعة العربية..

لستُ شعوبيا، ولا أفرق بين أحد من أبناء هذه الأمة، وأكره ما أكره هو الشعوبية، وإذا انضممت إلى من يدعون إلى تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية فلأنني لا أؤمن بهذه الشعوبية، ولأن في أبناء الأمة العربية كثيرا ممن هم أهل لتولي هذا المنصب..

 

———–

1- جريدة الشروق اليومي 13 / 3 / 10 ص 11، وجريدة الخبر 13 / 3 / 10 ص5.

2- الموسوعة العربية الميسرة، مادة: جامعة الدول العربية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • mahmoud

    الي الكاتب المحترم ممكن بس اقولك حاجه سيدي المحترم جتك الهم علي وشك يخرب بيتك لبيت الفراعنه انت وامثالك اللي بيصطاد في الميه العكره انت وامثالك اللي بجد عملوا فتنة

  • مراقب بسيط

    الى المعلق الدي سمى نفسه صابر اقول لك مقال الامام علي كرم الله وجهه - اعرف الحق تعرف اهله- قبل ان تنتقد علماء الحق و ا علم ان اصل الشجرة يعرف من ثمره و هده الثمرة التي كتبت هدا المقال هي سليلة من لهم الفضل علينا في كتابة هدا الرد .
    وادا ليس لك علم من هم اصحاب الفضل علينا فا انصحك ان تطالع تاريخ رجال الجزائر قبل الثورة من علماء الدين حاربو المدمر الظالم و الدين لم يركنوا و لم يداهنوا ولم ينافقوا ولو 8 اسطر مثل التي كتبتها على حساب الحق . ارجع الى الحق و المنطق لانني لو لا انني لا اعرف في مصر رجال اصجاب فكر السديد وعلم قائم على الحق
    لما كتبت هدا الرد و اعلم ان ابليس اعلم الناس با القرءان و الاستنباط منه منك لكنه يوظفه في الباطل.

  • عصام

    سلمت يداك، هل ترعوي النخبة المصرية وتعلم بأن الإساءات لا تنسى بهذه السهولة وكما قيل:
    جريح السيف يضمده الزمان *** ويبقى الدهر ما جرح اللسان

  • صابر

    لماذا يا أخي هذا الحقد الدفين علي مصر ولماذا تصفونا بالفراعنه نحن بلد الأزهر الشريف ومصر مذكوره في كتاب الله وهي بلد الأمن والأمان لك ولغيرك عندما لا تجد مأمنا واسأل الكثير من العرب والمسلمين مصر بلد الكرامه والعزه والقوه وليست بلد الجبناء الذين يضربون من الخلف ... اتق الله ياأخي واستغفره لعل الله يغفر لك ولا تساعد في إشعال الفتنه بين شعبين عربييم مسلمين فالفتنه أشد من القتل وأكبر من القتل * ياأيها اللذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا*. *واتقوا يوما ترجعون فيه الي الله ثم توفي كل نفس ماكسبت وهم لايظلمون* صدق الله العظيم. وحسبنا الله ونعم الوكيل

  • نوري

    اشكرك على هذا المقال الرائع.

  • بلقاسم ميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

    لقد صدق من قال القافلة تسير واكلب ينبح...

  • جزائري

    سيدي الفاضل ، دأبت على قراءة كل ماتكتب واحببت لغتك الرائعة واسلوبك المباشر ... ان مقالك يحمل كل صور المنطق و الموضوعية ولكن هيهات ان يتحقق مضمونه ... ان النزعة الفرعونية لهؤلاء حادة رغم خوائهم الادبي و الفكري ... تعودوا في خطابهم و اعلامهم على إيهام الشعب المصري الطيب بالفطرة عاى انه فوق العرب و انه ام الدنيا وسيّدها وانه يملك الاهرامات التي لا يملكها غيرهم وعندهم نيل لم يخلق مثله في البلاد وووو من الشعارات الفارغة التي اساءت كثيرا الى علاقات المصري بغيره في محيطة ... أكرر اعجابي بطرحك المنطقي ووفقك الله