من يلتفت للراسبين؟
سُئلت سيدة فاضلة عن أحبّ أبنائها الثلاثة إلى قلبها، فقالت: الغائب حتى يعود والمريض حتى يشفى والصغير حتى يكبر.
وهي قاعدة الحب التي يجب أن تتحلى بها السلطة والشعب معا، حتى لا نحطم أي مجتهد فاشل، ونمنع عنه أجر الدنيا، بالرغم من أن أجره الأخروي مضمون، وما يحدث في الجزائر أثناء إعلان نتائج البكالوريا، يؤكد بأن الدولة والشعب أيضا مع “الواقف”، أو الناجح، ولا يكاد الراسب يجد غير أفراد من عائلته يحاولون تطبيب ألمه النفسي، وإفهامه بأنه خسر معركة ولم يخسر الحرب، بالرغم من أن الناجح في الحياة وفي الجزائر على وجه الخصوص ليس بالضرورة الأحسن، والفاشل في الحياة وفي الجزائر على وجه الخصوص ليس بالضرورة الأسوأ، ولو أحصينا مثلا عدد رجال المال والأعمال والسياسة من الذين لم يبلغوا مستوى البكالوريا لنفد البحر، وما بلغنا آخر قطرة من الراسبين، وإذا كانت الدولة قد جهزت للناجحين في شهادة البكالوريا الكثير من العروض المادية والبيداغوجية، فإنها تبدو غافلة عن الراسبين وجميعهم في مرحلة عُمرية خطيرة، قد تصنع من بعضهم مشروع مهاجر غير شرعي أو مجرما محترفا أو حتى إرهابي، وقد يصنع إخفاقهم -إن وجدوا دعما معنويا على الأقل- تحدّيا آخر يحوّل كبوة اليوم إلى إنجازات لا تنقطع.
نحن لا نطالب بمكافأة الراسبين أو وضعهم في نفس منزلة الناجحين، ولكن إفهامهم بأن للحصان العربي كبواته، هو أضعف الإيمان، ليس في عالم الدراسة فقط، وإنما في جميع المجالات، فقد تابعنا في الموسم الرياضي الماضي وقوف مناصري مولودية العلمة مع ناديهم وقولهم بأنه الأحسن في الجزائر، ولكن بمجرد أن نزل إلى الدرجة الثانية وخسر مباراتيه الإفريقيتين، حتى ذبحوه من الوريد إلى الوريد، وشاهدنا كيف سار عشرات الآلاف من المواطنين مع مترشحين للرئاسيات من أرانب ومرشحين حقيقيين، ولكن بمجرد أن ذهب الكرسي لغيرهم، حتى ناءوا عنهم بجانبهم، وبدلا من الاقتناع بأن لكل جواد كبوة يقوم بعدها، صار المثل الشائع في الجزائر هو الوقوف مع الناجح حتى ولو تحقق نجاحه بالصدفة أو بطرق أخرى غير شرعية.
وكما كان الإبن المريض أو الصغير أو الغائب هو الأحب إلى قلب أمه الفاضلة، لأن الحب الحقيقي هو العطاء، فإن الدولة والشعب مطالبون بلملمة خيبة قرابة نصف مليون طالب فشل في امتحان البكالوريا، ولملمة جراح منطقة غرداية التي تعرضت لبركان من الدم والنار، وأيضا مع الجزائر التي تعاني حاليا من عاصفة اقتصادية قد تكون تبعاتها الاجتماعية أكثر خطورة من كل الأزمات، التي عاشتها الجزائر، لأن ما ستخسره البلاد قبل نهاية السنة الحالية سيبلغ إثنين وثلاثين مليار دولار، وهو رقم يزلزل الولايات المتحدة الأمريكية لو ضيّعته، فما بالك ببلد فضلنا أن نحبه عندما يكون واقفا ماديا فقط، نتداعى حول قصعته قبل أن تتداعى عليه بقية الأمم، وبمجرد أن يرسب حتى ننفض من حوله.