الرأي

من “البقرة الحلوب” إلى الدولة الحلاّبة

حبيب راشدين
  • 2333
  • 5

كشفت ميزانية 2015 عن رصد الحكومة لـ226 مليار دينار، أو ما يعادل حوالي 23 مليار دولار، لفائدة قطاع البناء، بزيادة أكثر من 16 في المائة مقارنة مع تسيير 2014 وهي أرقام خيالية ليس في محيطنا العربي والمتوسطي ما يقترب منها، وهذا يعني أن الحكومة تكون قد رصدت في عامين (2014ـ2015) أكثر من أربعين مليار دولار للقطاع، وقرابة 100 مليار للخطة الخماسية.

عند انطلاق مشروع الطريقشرق غرببكلفة 11 مليار دولار مبدئياً، كتبت مقالا لفت فيه انتباهالدولة المقاولةإلى الفساد البيّن فيالتصميم السياسيللمشروع، حتى قبل أن يخربه الفساد المالي عند الإنجاز، وأشرت وقتها إلى أنه كان من الواجب أن تخصص الدولة عُشر هذا المبلغ، أي حوالي مليار دولار، لتمويل تأسيس شركات مقاولة وطنية: عمومية وخاصة، يدفع بها إلى المساهمة مع شركة أو شركتين أجنبيتين في تشييد الطريق السريع، وكنا وقتها قد مكّنا القطاع من توطين حصة محترمة من فائض القيمة، وكسبنا عشرات المقاولات الوطنية، هي التي كنا سنلجأ إليها في قيادة وانجاز مشاريع مماثلة في المستقبل.

نفس الدعوة أجدّدها للوزارة الوصية على قطاع السكن والعمران، من أجل تخصيص عُشَر الـ100 مليار دولار التي تكون قد رُصدت للخطة الخماسية، لفائدة بناء قطاع وطني من المقاولات، وشركات البناء، ومكاتب الدراسة، تحرر البلد من التبعية المتصاعدة لشركات الإنجاز الصينية والكندية وحتى التونسية، في قطاع لا يتطلب تكنولوجية عالية هي فوق إمكانياتنا.

فبوسعنا أن نخصص هذا العُشر، أو حتى نصفه (أي 5 مليار دولار) في شكل قروض ميسرة لشبابنا المتعلم، من خريجي معاهد الهندسة، ومؤسسات تكوين الفنيين والعمال الحِرفيين، ونرافقهم في بناء مقاولات، ومكاتب دراسة، تتنافس على هذه السوق الضخمة، بدل مواصلة سياسةالمنتَج في اليدالتي تمنع البلد من توطين فائض القيمة، واكتساب قدرة وطنية على الإنجاز.

مثل هذه المقاربة هي التي كان يُفترض أن تحتلَّ رأس قائمة مضامينالندوة الوطنية حول التنمية الاقتصادية والاجتماعيةالتي افتتح السيد سلال أمس أشغالها، والتي قيل إنها ستكونفرصة للفاعلين لمناقشة سبل الخروج من الاعتماد الكلي على واردات المحروقات، ومناقشة سبل إنعاش الاستثمار وتحسين بيئته“.

قبل أن نفكّر في اقتصاد قادر على رفع حصة التصدير خارج المحروقات، يحسن بنا أن نوسّع قاعدة الإنتاج والإنجاز بأدوات وطنية صرفة، نمنحها فرصة التعلم، والحق في الخطأ، واكتساب الخبرة مع الزمن، على الأقل في مثل هذه القطاعات التي لا تحتاج إلى تكنولوجيات عالية، وهي تشكل في الاقتصاديات العصرية قاطرة جبارة للاقتصاد.

 

وربما يحسن بالخبراء المشاركين في الندوة أن يذكروا رئيس الحكومة: أن الدولة لم تنشأ لتكونمقاولا، بل إن دورها الأول هو الاستثمار في تفريخمناجم منتجة للجبايةوأن نجاحها يحسب بعدد المؤسسات الإنتاجية والخدمية الوطنية التي تساعد على إنشائها، وضمان حظوظ حقيقية لها في البقاء والنماء، لأنها هي التي تصنع الثروة، وهي الموطن الحقيقي لتوزيعها، وبالتعبير الشعبي تنتقل الدولة من حالةالبقرة الحلوبإلىالدولة الحلابة“. 

مقالات ذات صلة