-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مصطلحات دخيلة نابية وعنصرية تنخر المجتمع

من “الكافي” و”الشبرق” و”الكعبة” إلى “القهوي”.. التنمر يبلغ مداه

راضية مرباح
  • 4216
  • 0
من “الكافي” و”الشبرق” و”الكعبة” إلى “القهوي”.. التنمر يبلغ مداه

انتشرت في السنوات الأخيرة، ظاهرة ابتداع أساليب وألفاظ جديدة ودخيلة على الخطاب التعبيري المعتاد بمجتمعنا، فالتنمر الذي أصبح من ضمن أكثر الأساليب التي تستخدم للإساءة وإيذاء الآخر وإزعاجهم بطريقة متعمدة ومتكررة، أصبحت اليوم كطريقة تعبيرية للسخرية تارة والتسلية تارة أخرى حتى إن مواقع التواصل الاجتماعي أضحت تعج بهذه الألفاظ الدخلية مثل كلمة “القهوي” التي يراد بها الاستهزاء والتهكم على فئة من المجتمع.

اختلفت أشكال السخرية من الآخر بلسان الشارع الجزائري في مجتمع يشهد الكثير من التحولات عبر مختلف مراحل الحياة، فمن باب التسلية أحيانا والتنكيت أحيان أخرى، يجد بعض الشباب أنفسهم يبحثون عن كلمات وألفاظ تعبيرية تختلف عما هو كائن ومتعامل به في تلك الحقبة، ليبتدع هؤلاء كلمات غير متداولة ولها رنين غير محبب حتى من خلال النطق أو البعد، فالسخرية من شخص غير مثقف أو لا يجيد الفرنسية على سبيل المثال أو حتى في ما يخص مظهره غير اللائق أو لا يجيد التنسيق في ملبسه أو لا يعرف مثلا السباحة.. وغيرها، يوصف بألفاظ مستحدثة، ففي التسعينات من القرن الماضي أو قبلها بقليل كان يوصف مثل هؤلاء الأشخاص بـ”الجبري” ومدلولها يعبر عن الشخص غير المتحضر وانتقلت الكلمة في ما بعد بنفس المدلول لتصير إلى “شبرق” وبعدها “كعبة” وصولا هذه السنة إلى لفظ “القهوي” وهي الكلمة التي انتشرت كالنار في الهشيم بين الشباب خاصة، فلا تخلو محادثاتهم اليومية من هذا اللفظ حتى في دردشاتهم اليومية بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر ما يشد الانتباه ويثير الجدل هذه الأيام، هو صدور فيديو لأحد المؤثرين الذي حقق نسبة عالية من المشاهدة، عرض من خلاله ممارسات وسلوكيات بعض الشباب غير المتحضر أثناء ذهابهم إلى الشاطئ والإزعاج الذي يخلفه هؤلاء لمن يكون بقربهم.. وإن كانت حقيقة بعض تصرفات الشباب بالشاطئ أو عبر بالمواصلات وحتى الشارع مذمومة وغير محببة فهذا لا يعني وجهة معينة دون أخرى من مدننا بل عديد الفئات تشترك في طريقة تعاملها الهمجي في كثير من الأحيان رغم اختلاف المنطقة وبعد المسافات.

ويرى في الشأن، الدكتور نعيم بوعموشة من قسم علم الاجتماع والديموغرافيا بجامعة تامنراست، لـ”الشروق”، أن مصطلح “القهويين” الذي انتشر مؤخرا بشكل واضح بين أوساط الشباب خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، فبغض النظر عن أصل الكلمة ومدلولها إلاّ أنّها لاقت رواجا كبيرا دون أن يتحرى كل من تداولها مصدر هذه الكلمة ومعناها، التي اختلف البعض في تفسيرها ما بين اشتقاقها من كلمة “كافي” أي النازح من القرية، أو اشتقاقها من لباس أهل البادية أي القشابية أو البرنوس ذي اللون البني، وهو اللون الذي يصطلح عليه بالعامية الجزائرية قهوي، وبالتالي، فإن الغاية أو الغرض من توظيف هذا المصطلح “قهويين” –يضيف- هو محاولة إظهار أصحاب المناطق الداخلية على أنهم أناس متخلفون وهمجيون، وفي ذلك دعوة لزرع الحقد والفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد وتكريس صريح للجهوية والتفاوت الثقافي والاجتماعي، كما أنّ توظيف هذه المصطلحات الدخيلة يقع ضمن نطاق التنابز بالألقاب، الذي يمكن النظر إليه على أنه نوع من التنمر اللفظي كونه يحمل أوصاف الذم والانتقاص من قيمة الآخر.

وأضحت ظاهرة الإساءة اللفظية –حسب- الدكتور شائعة بشكل كبير في الوسط الاجتماعي الجزائري، فهذا السلوك الذميم الذي يعد تطاولا لفظيا من شأنه إيذاء مشاعر الآخرين ويحط من شخصيتهم وإحساسهم بقيمتهم ويزعزع ثقتهم بنفسهم، خاصة إذا كانت تلك الأسماء تطلق عليهم بصورة متكررة، كما تعبر عن نوع من الشقاوة، يريد به صاحبه التسلية المؤقتة، وهو سلوك مكتسب من الوسط الاجتماعي ففي بعض الأحيان يكون إطلاق تلك الألقاب عن قصد في إيذاء الآخرين نفسيا والانتقام منهم وتحقيق العظمة لذاته.

ودعا الدكتور إلى ضرورة الانتباه لهذه الظاهرة والتعامل معها بشكل جدي، خاصة وأنها يمكن أن تهدّد كيان المجتمع وتمزق أواصر التواصل الاجتماعي وتزرع بذور الفتنة والجهوية بين أبناء الوطن الواحد.

“القهوي” يقابله الأبيض أو “الروجي”.. عنصرية بكل معانيها

وقال الأستاذ في علم الاجتماع حسين زبيري، في تصريح لـ”الشروق”، إن السلوكات السيئة تصطحب معها مجموعة من السلوكيات المعززة لها أو الناتجة عنها، ومن ثم فظهور مصطلح “القهوي” يعد نابيا في حق فئة من المجتمع وهو نتيجة لسلوكيات سبقتها وأوجدتها، فالكل يؤكد أن سلم القيم في الجزائر صار فيه خلل، فلم يعد ينظر إلى المظاهر اللاأخلاقية بنفس المنظور بل صار هناك مقاومة لكل من تسول له نفسه أن ينكر هاته الأخلاق إلى غاية القول: “واش فيها”، “كامل الناس يديرو هكذا”، “زعمة شافوهم غير هوما”، من مثل هذه الجمل –يقول: ” تدفع إلى غرس سوء الأخلاق والسكوت عن الانحراف وزيادته نوعا وكما”.

“القهوي” ابتذال، وهو أحط سلوك نصل إليه كما هو في الحقيقة يعبر عن تلك الرائحة النتنة التي تنبعث من قمامة السلوكات المنحرفة، فـ”القهوي” هو لون تقابله الألوان الفاتحة وإطلاقه، يؤكد زبيري، إنّما يأتي في صيغ سلبية في مقابل الأبيض و”الروجي” التي تطلق لوصف شيء جميل أو لتحسين سلوك، إنها العنصرية بكل معانيها، تنمر بالتوصيف الحديث، تنابز بالألقاب بالتوصيف الديني، لا يمكن أن نجد له وصفا غير هذا.

الاحتقار لا يجوز شرعا والظاهرة تدخل في التنابز بالألقاب

ويرى إمام مسجد موسى بن نصير بالرغاية في العاصمة، الشيخ مراد حفيظ، أن كلمة “القهوي” المتداولة بين شباب اليوم، وفي حال كان القصد منها احتقار الآخر، فهذا لا يجوز شرعا، متسائلا في الوقت نفسه عمن يقصد به “القهوي”؟ هل هم أصحاب البشرة ذات اللون الغامق أو قاطنو الصحراء؟ وهذا كذلك حرام شرعا، وأشار المتحدث في السياق أن الظاهرة تدخل في التنابز بالألقاب والتحقير والسخرية وحتى في الهمز واللمز وهو ما نهانا عنه ديننا الحنيف في كثير من المواضع والآيات القرآنية التي عدّها الإمام خلال تدخله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!