الرأي

من انتفاضة شعبية إلى حرب طائفية

حسين لقرع
  • 4789
  • 13

حينما اندلعت شرارة الانتفاضة الشعبية السلمية في سوريا في 15 مارس 2011، لم تتردد الشعوب العربية، وكل الشعوب التواقة إلى الديمقراطية في العالم، في نصرتها والتعاطف معها، مثلما ناصرت الثورات التونسية والمصرية والليبية قبل أن تستنجد بالناتو، وكذا الثورة اليمنية والثورة البحرينية التي اندلعت في نفس الفترة تقريباً، وهذا دون إيلاء أية أهمية للاعتبارات الطائفية أو المذهبية، فالأهم هو مساندة أي شعب عربي انتفض من أجل حرياته الأساسية، وحقه في إنهاء الاستبداد والملك العضوض وإقامة ديمقراطية حقيقية.

 

لكن الكثيرين اليوم يجدون أنفسهم مدفوعين دفعاً نحو مراجعة مواقفهم تجاه الثورة السورية على الأقل؛ ذلك أن الثورة الشعبية التي بدأت سلمية وقابلت القمعَ الدموي وتغوّلَ النظام الشمولي بتحدٍّ كبير وتضحيات جسيمة، بدأت تنحرف عن مسارها حينما استولت عليها ثلة وقامت بعسْكرتها ومواجهة الحديد بالحديد، بدل اتِّباع الأنموذج الإيراني مع الشاه، والأنموذج الروماني مع تشاوسيسكو، إلى غاية تحقيق النصر الحتمي، ثم وُجِّهت الضربة القاضية إلى هذه الثورة، وحُرّفت نهائيا عن مسارها، حينما دخلت أطرافٌ عربية وإقليمية ودولية عديدة على الخط، وأعطتها بُعداً طائفياً، وحوّلتها إلى حرب مذهبية لا تخفى عن أحد.

اليوم انتهت الثورة الشعبية السورية، وانتهت معها المظاهرات والاعتصامات وكافة أشكال الاحتجاجات السلمية، وحلت محلها حربٌ طائفية خطيرة تدور بالوكالة على الأراضي السورية. 

وإلى حدّ الساعة، لم تحقق هذه الحرب النتنة نتائجَ إيجابية لأي طرف، بل إن ما حملته هو فقط المزيد من القتلى والمنكوبين والدمار والخراب.. 

أزيد من 70 ألفاً، أغلبيتهم الساحقة من السوريين، سقطوا في هذه الحرب، ونحو ربُع سكان سوريا أجبروا على النزوح من ديارهم إلى مناطق داخلية أخرى أكثر أمناً، إن بقيت هناك مناطق آمنة أصلاً في هذا البلد، أو لجأوا إلى دول الجوار ليعيشوا هناك في ظروف مزرية، وتتعرض بناتُهم للابتزاز من بعض العرب تحت غطاء “سترهن”، وعشرات الآلاف من البيوت هُدّمت، وأحياء كاملة سُوّيت بالأرض، لتؤكد تقارير مستقلة أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 200 مليار دولار لإعادة بناء ما تهدّم، والحصيلة مرشحة للارتفاع إذا لم تتوقف هذه الحرب المجنونة.

وعلى الصعيد الإسلامي، فقد زادت هذه الحرب الطائفية القذِرة العالمَ الاسلامي تمزقاً وتشرذماً، وبرزت الاصطفافاتُ المذهبية بشكل خطير، كنتيجة حتمية للشحن الطائفي البغيض الذي مارسته فضائيات التحريض الرخيص في قطر والسعودية، لنصل إلى وضعية أصبحت معها “فتاوى الجهاد” المزعوم ضد الإخوة في الدين الواحد، تصدر كل يوم من شيوخ الفتنة والتحريض، لتغرِّر بالآلاف من الشبان، وتبعث بهم إلى سوريا ليكونوا وقوداً لهذه الفتنة الطائفية، بينما يتمّ التعتيمُ على فتوى الشيخ المنيع التي أكد فيها أن “ما يحصل في سوريا هو حربٌ أهلية ولا جهادَ فيها”، لأنها لا تحلب في إناء عرّابي الدم والفتن المذهبية.

سوريا تتمزق، ولكن العالم الاسلامي أيضاً كله يتمزق بهذه الفتنة المذهبية الخطيرة، أما المستفيدُ الأكبر، بل والأوحد، فهو العدو الصهيوني ومعه أمريكا والغرب... أليس فيكم رجلٌ رشيد؟

 

مقالات ذات صلة