الرأي

من “فالس” إلى “الغيطاني”؟

لم “يتورط” أبدا “معالي” الوزير الأول الفرنسي ذي الأصول والمولد الكتالوني مانويل فالس، والذي ولد بعد 36 يوما فقط من استقلال الجزائر، في ذكر ولو حسنة واحدة عن المستعمرة القديمة و”الدائمة” لفرنسا.

حتى عندما خاض الخائضون في قضية اللاعب ذي الأصول الجزائرية كريم بن زيمة، تحوّل إلى مدرب وطني وخبير كروي، معتمدا على كونه ابن برشلونة، وخاض مع الخائضين، وقد يكون المدرب الفرنسي “غيرو”، يقصده شخصيا، عندما قال بأن سحب البساط من أقدام بن زيمة وإبعاده عن منتخب فرنسا، إنما كان بدواع عنصرية، وبأن اسم “كريم” هو عقدة القضية، ومع ذلك وجد الرجل التهليل عند زيارته للجزائر، وكأنه بدر البدور، الذي طلع علينا من ثنية الوداع، وسنكون “سذجا” حتى لا نقول كلمة أفظع، لو سرنا في فلك بعض نواب البرلمان من الذين حاولوا انتقاد الرجل وقصفه، على خلفية إهانته للجزائريين، قبل وأثناء وبعد زيارته لها، والتقائه بكبار مسؤوليها، وفوز بلاده كالعادة ببعض المشاريع وخاصة الثقافية، لأن المشتوم أحيانا والمُتطاول عليه، يأخذ وِزر الفاعل، ويلبس تهمته عندما يُمكّنه من فعل ذلك.

ولم يتورّط أبدا الناقد المصري محمود الغيطاني، الذي جعل من تطاوله على الإسلام وتقرّبه من الإسرائيليين مسارا لشهرته، فقد كانت “قناعته” بأن الجزائر بلد البلهاء، وهي بشكل امرأة عارية تنتظر كل عابر، ولم يزعم أبدا بأنه أكاديمي، ومع ذلك دعته جامعة جيجل التي صرفت الدولة في إنجازها وبعثها للوجود قرابة ربع مليار دولار، لأجل أن يقدم فيها محاضرات أكاديمية، لجمهور من الطلبة، أدناهم مستوى أحسن من هذا الذي رمى بملفه اتحاد الكتاب العرب في سلة المهملات، وقبلته جامعة جيجل ومن يسمّون أنفسهم بأدبائها، وكما شتم فالس الجزائريين، وسيظل يشتمهم إلى أن يمنعوه من زيارة بلادهم نهائيا، شتم أيضا الغيطاني الجزائريين، وسيظل يشتمهم مادام البعض منهم يرضى بمرض مازوشيته المزمن.

وعندما تصف منظمة مراسلون بلا حدود وضع الصحافة في الجزائر بالمعقد جدا، وهي على حق، فليس هدفها الإصلاح والرقيّ بحرية التعبير، وإنما لأن السلطات الجزائرية منعت التأشيرة عن صحافيي جريدة لوموند لتغطية “إهانة” فالس للجزائيين، وسنبقى ندور في نفس الحلقة، لو أعبنا زماننا والمحيطين من حولنا ونسينا أنفسنا، وكل العيب فينا، فقد حانت للجزائر على مدار عقود فرص تنويع تعاملاتها الاقتصادية والثقافية في عزّ بحبوحة مالية منّ الله بها على الجزائر، ولكنها أصرّت على أن تتشبث بالخيار الفرنسي، فأضاعت السنوات والمال ولم تتلق سوى الخيبات وخاصة الإهانات، وحانت للجزائر فرص لتطوير جامعاتها من خلال الاحتكاك بكبريات المعاهد وتبادل الخبرات، ولكنها أصرّت على أن تحصرها بين إداريين حوّلوا البحث العلمي إلى “لعب أطفال”، والتربصات إلى “فسح سياحية”، وكانت النتيجة أن وجدنا بلادنا رهينة بين أيدي سياسيين و”خبراء” وروائيين وفنانين ورياضيين و”اقتصاديين” و”فقهاء” احتلوا البلاد وفرضوا العبودية على العباد، ولكن ليس لرب العباد.

مقالات ذات صلة