-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من قال أن جامعة تلمسان بخير؟ !

من قال أن جامعة تلمسان بخير؟ !

منذ 3 أسابيع وصلَنا، مثلما وصل إلى العديد من الزملاء، محضر اجتماع اللجنة البيداغوجية لاختصاص الرياضيات/إعلام آلي بجامعة تلمسان. وقد حضر هذا الاجتماع 22 ممثلا لسلك المدرسين والطلبة. والواقع أن مضمون المحضر قدَّم تفاصيل وأرقاما ورسومات توضيحية مهمة لوضع الطلبة وتحصيلهم العلمي المتدني في هذا الاختصاص بالجامعة. ولا نعتقد أن ما ذُكِر حكر على جامعة تلمسان بل يمكن تعميمه، حسب علمنا، إلى معظم المؤسسات الجامعية التي تدرس الرياضيات بصفة خاصة والعلوم بصفة عامة. ولذا لا بد من النظر إليه أيضا من هذه الزاوية.

ونحن تفاجأنا بحجم السلبيات المشار إليها في هذه الجامعة التي ذاع صيتها لأن الشائع عند أساتذة الرياضيات عبر الوطن أن جامعة تلمسان لها مكانة محترمة في هذا الاختصاص. 

 

النقائص والحلول

من المعروف في الجامعة أن على الطالب أن يتكفل بنفسه فيما يخص الإلمام بدروسه بعد تلقيها في حجرات الدراسة. لكن الطلبة اليوم يثبتون أن الوضع ليس كذلك في تلمسان وفي غيرها، وهذا بشهادة الطلبة أنفسهم. ويعيب الأساتذة على الطلبة ميولهم الكبير إلى الحفظ عن ظهر قلب، وهي العاهة التي لُقنت لهم قبل وصولهم المستوى الجامعي. وهم في أشد الحاجة في كل مراحل التعليم إلى التعود على التفكير العلمي وعلى الاستدلال (بالمنطق الرياضي) السليم.

والواقع أن كثيرا من الطلبة لا قدرة لهم على العمل بصفة ذاتية ومستقلة. وترى اللجنة البيداغوجية أن هذا يرجع أحيانا كثيرة إلى كون ملمح الطلبة لا يتناسب مع الاختصاص. وهذا ما يعقد مسارهم الدراسي ويجعلهم عرضة للتعثر خلال مشوارهم الدراسي. ولاحظ الأساتذة أن التوجيه الذي تبنته الوزارة هذا العام جعل قلة قليلة من الطلبة يتماشى ملمحهم مع الاختصاص الذي سجلوا فيه، ولهم مستوى يسمح لهم بمتابعة الدروس التي يتلقونها. وبطبيعة الحال، فهذا يؤدي إلى ضآلة حماس الطالب للدراسة وتزايد نسبة الرسوب.

وعليه يتوجب إعادة النظر في مقاييس التوجيه إلى هذا التخصص إن أردنا الحفاظ على مكانته بين العلوم الأخرى، ولا نجعل من هبّ ودبّ يقصده فيتردى مستوى التحصيل العام… وإلا كيف ندعي أننا “نوجّه” الطالب… أو أن توفير “المقعد الدراسي” أهم من مستقبل الطالب؟ 

والحقيقة أن ما يخطر ببال المتتبع هو أن الأمر لا يتعلق بتوجيه بيداغوجي جاد بل ينحصر في آلية تسيير عملية التسجيل في مختلف التخصصات . 

والظاهرة السلبية الأخرى التي أشار إليها التقرير هي انتشار الغيابات في حصص الدروس. ففي مادة أساسية كالجبر يلاحظ الأساتذة أن عدد الحضور يكون حوالي 30 طالبا من مجموع 180 طالبا. وتزداد هذه النسبة سوءا عندما يتعلق الأمر بالحصص التي تقدم على الثالثة مساء. كما أن الكلية تكون خاوية على عروشها زوال كل خميس !

كما لاحظ الحضور أن عدد المسجلين خلال السنتين الماضيتين قد تضاعف وأن ذلك لا يتماشى مع إمكانيات التخصص ومع المرافق المتاحة من قاعات ومخابر للأعمال التطبيقية . وهو ما يتنافى مع إمكانية الجودة. وأشاروا أيضا إلى الصعوبات التي يتلقاها الطالب من جراء لغة التدريس. وهذا ما يؤثر سلبا في موضوع فهم الدروس والتمارين ونصوص الاختبارات.

يرى الأساتذة أن الانخفاض الخطير لمستوى التحصيل أعمق مما نتصور، فهو لصيق الطالب من مراحل التعليم السابقة (من الابتدائي إلى الثانوي). فلا بد من حل المشكل أولا في تلك المستويات قبل الجامعية. ومن المشاكل المثارة في كثير من الجامعات وليس في تلمسان وحدها أن القائمة النهائية للطلبة لا تُسلم إلا في فترة متأخرة من السداسي الأول، وهذا للسماح لكثير من الطلبة بتغيير الاختصاص. 

وقد طالب الحضور بإعادة النظر في منهاج التخصص وبإعادة العمل بالعلامة الإقصائية، ومنع الانتقال بديون من سنة إلى السنة التي تليها. كما توصي اللجنة بمراعاة آراء قدماء أساتذة التعليم العالي للاستفادة من تجاربهم. ومن الأمور المهمة التي تنبّه إليها اللجنة ضرورة إعلام الطالب منذ السنة الأولى بحقوقه وواجباته في الجامعة وحرمها.

كما ينبغي أن يقوم كل الأساتذة بتجديد معلوماتهم في اختصاصاتهم إلى جانب الاهتمام بالوسائل والمقاربات البيداغوجية. ويرى المجتمعون ضرورة اللقاء مع زملاء آخرين من نفس الاختصاص (رياضيات/إعلام آلي) ينتسبون لجامعات أخرى لتدارس الحلول وسبل تحسين مستوى التحصيل العلمي للطلبة.

 

من عهد القلصادي إلى عهد بوشريف

كانت تلمسان -وكذا بجاية- معروفة من قديم الزمان في مجال العلم، وكان يقصدها طالبوه حتى من الأندلس ومن بقاع أخرى كثيرة. وفي هذا السياق نذكر، على سبيل المثال، عالم الرياضيات الأندلسي علي بن محمد القلصادي (815 هـ /1412م ـ 891 هـ/ 1486م) الذي عدد شيوخه في تلمسان وكتب عن سيَرهم العلمية حيث قَدِم إلى هذه المدينة من غرناطة الأندلسية وقضى مع هؤلاء العلماء 8 سنوات. وكان القلصادي قد تعلم على يديهم الكثير من العلوم، وبصفة خاصة الرياضيات. 

وكان هذا العالم الأندلسي شديد الإعجاب بأحد شيوخه التلمسانيين الذي علمه الرياضيات حتى قال فيه : “أنا مذ رأيت نجاح دعوته وصلاح حالي بالتماس بركاته لازمته وترددت إليه فكنت أجد في مجالسه فوائد تنسي الأوطان وارد من بحر فيضه ما يحي به الضمآن فسرت إلى خدمته مسرعًا … إلى أن صيّرني كبعض أولاده، وأنزلني منزلة أحد أصدقائه وأخدانه”.  وقد ألَّف القلصادي كتبا كثيرة خلال إقامته بتلمسان منها كتابه الشهير “التبصرة الواضحة في مسائل الأعداد اللائحة”.

كانت تلك المكانة اللامعة لتلمسان على مستوى الغرب الإسلامي في الرياضيات خلال القرن 15م. وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، فحسب معلوماتنا كان الفضل الكبير يعود للزميل عبد القادر بوشريف الذي حصل على منحة دراسية في منتصف السبعينيات إلى الولايات المتحدة ثم عاد إلى تلمسان وبعث في جامعتها الفتية اختصاص المعادلات التفاضلية وترك بذرة أثمرت بعد مغادرته البلاد خلال سنواتنا الحمراء ولم يعد إليها إلى اليوم. 

وما يدل على نضج تلك الثمرة أن أحد أصدقاء الجزائر من الفرنسيين خلال حرب التحرير، وهو الرياضي جيرار ترونل الذي يصارع المرض العضال منذ فترة ، قد أنشأ عام 2004 جائزة في الرياضيات باسم موريس أودان. وهذا الأخير كان أستاذا للرياضيات في جامعة الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية اغتالته عام 1957 بالعاصمة القوات الفرنسية لمواقفه المناهضة للاستعمار آنذاك.

وبخصوص هذه الجائزة نلاحظ أن من بين الـ 12 فائزا من الجزائريين هناك 3 أساتذة ينتسبون إلى جامعة تلمسان يعملون في حقل المعادلات التفاضلية. وفضلا عن ذلك ينتسب إلى أكاديمية العلوم الجزائرية التي أنشئت منذ أقل من سنتين، ثمة 6 أساتذة رياضيات. ومن بينهم هؤلاء الستة نجد أستاذين شابين من جامعة تلمسان ممن نالوا جائزة موريس أودان، ولهما نشاط فعال في الرياضيات سيما بالتعاون مع الجامعات الإسبانية. 

كيف لا نحافظ على هذا الرصيد العلمي بصرامة التسيير في هذا التخصص (رياضيات/إعلام آلي)  وبالوقوف على تمكين خيرة الطلبة من التفوق على الأقل في الجامعات التي لها مثل هذه الإمكانيات البشرية في موضوع التكوين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!