من قتل “إيبوسي”؟
من قتل “إيبوسي” حقيقة هو ليس ذلك الفتى الذي رماه بمقذوف، والذي كان بإمكانه أن يصيب به أيا من اللاعبين الذين كانوا بجواره. من قتل “إيبوسي” هو ذاته الذي دفع مراهقا آخر إلى محاولة قتل معلمه في المدرسة، من قتل “إيبوسي” هو ذاته الذي دفع شابا آخر لممارسة العنف ضد والديه، من قتل “إيبوسي” هي تلك السياسات المعتمدة من قبل الحكومة تجاه الشباب والرياضة والتربية والتعليم والثقافة، هي تلك السياسات التي اعترفنا أو لم نعترف قد أنتجت لحد الآن نماذج عدة من قتلة “إيبوسي”، هي الآن في الملاعب والشوارع والمدارس بل حتى في المساجد، ألم يستخدم العنف لدى أكثر من جمعية دينية لأتفه الأسباب؟
أؤكد لكم أن قاتل “إيبوسي” لم يشاهد يوما مسرحية ولا استمع يوما لأنشودة رفيعة المعاني ولا دخل ناديا فكريا ولا استطاعت المدرسة أن تعلمه معنى التربية الفنية والموسيقية، ولا حضر مهرجانا ثقافيا فيه المتعة ولا الإبداع، ولا عاش لحظات سمر خالية نقية، ولا رافقه والداه إلى مشاهدة مقابلة في كرة القدم، ولا منعت السلطات عنه الأشرار من رواد الملاعب برصد قائمتهم في كل ولاية وقبل كل مقابلة. قاتل “إيبوسي” لم يعرف كل هذا، لم يعرف سوى تلك التعبئة الشوفينية ضد الآخر، ولم يجد سوى الرفقة السيئة إلى جانبه، ولم يُعلَّم في المدرسة سوى أن المعلم هو مجرد شيخ لا يستطيع أن يؤدبه أو يعاقبه أو يمنعه من أن يسلك هذا السلوك المشين أو ذاك، لم يعرف سوى أن هناك مجرمين لم يعاقبوا وأن هناك لصوصا لم يلق عليهم القبض، وأن الملاعب إنما وجدت ليس للرياضة والفرجة إنما لتكون إطارا يفرغ فيه الشباب همومهم من خلال العويل والصياح والشتم والتجريح، وليعيشوا لحظات فرح واهمة ينسوا معها هموم الحكومة والانتخابات ونهب المال العام وأزمة السكن والشغل ويمتنعوا بعدها من الخروج إلى الشارع متظاهرين برحيل الحكومة أو تغيير هذا أو ذاك.
ولعل هذا ما جعل أنصار شبيبة القبائل يبكون“إيبوسي“، يبكونه بحرقة وألم أكثر من غيرهم من الجزائريين والأفارقة، لأنهم شعروا أنهم هم أيضا كانوا ضحية مثل “إيبوسي“، قُتلوا مثله تماما ولكن بطريقة أخرى، أظهرت عمق المأساة الداخلية التي يعيشها أبناؤهم، وأبناؤنا جميعا، وطرحت بعمق مسألة كيف ينبغي أن نعيد الأمل لشبابنا ونمنع عنهم اليأس القاتل من خلال سياسات حقيقية متوازنة وغير مزيفة، تلك هي المشكلة…وهي أكبر من“قاتل إيبوسي” الذي لا نبرئه بأية حال…