من يجيب عن “هيك المرجلة”؟
ربما قضى الراحل صدام حسين ثلاثين سنة، حاكما، لبلاد الخلافة العباسية، من دون أن يقول كلمة حق، وربما كان سببا في ضياع العراق عندما دخل حربا غير متكافئة على وزن “الإلقاء بالنفس إلى التهلكة”، وربما حسَبها بالخطإ، عندما حارب كل الدول المحيطة من حوله، ولكن بعد مرور عشر سنوات عن نحره في عيد النحر، على يد الأمريكيين، بقي السؤال الذي طرحه عن الرجولة أو “المرجلة” التي تجلّت في تقديمه للنحر في عيد نحر المسلمين، وفي عيد ميلاد المسيح، من دون إجابة؟
فقد كان صدام حسين ديكتاتوريا، كتم أنفاس الشيعة والأكراد وحتى السنة، ولكن ديمقراطيتهم جلبت الدمار للعراق من كل الطوائف، وحوّلته من بلد ديكتاتوري إلى “اللا بلد”، وأكثر المتفائلين، لا يرى مخرجا للعراق إلا بعد قرن من الزمن أو أكثر، أو عبر تقسيم يحوّل البلد الكبير الذي علّم الناس الكتابة، الذي تمتد جذوره في عمق التاريخ، إلى دويلات صغيرة تبحث عن مكان لغرس جذورها ومِمحاة تمسح ذاك الكبير من الوجود.
قال الأب بوش إن مشكلة العراق في صدام حسين، وكرّر الابن بوش أن مشكلة العراق في صدام حسين، ومرّت عشر سنوات منذ أن حكم أذناب بوش وابنه، بإعدام صدام حسين، ولم تحلّ المشكلة، والمؤسف أن لا أحد تجرّأ وقال بأن مشكلة العراق، كانت في بوش وفي الذين زعموا تعطشهم إلى الديمقراطية، وعندما توفرت لهم، مارسوا ديكتاتورية التقتيل الجماعي التي حوّلت العراق إلى مذبح بشري، يعمل من دون توقف.
لا يمكن الدفاع عن أخطاء صدام حسين وهي بالتأكيد كثيرة، ولكن القاضي الذي يحكم على “المجرم” بالإعدام، ثم يأتي بما هو أفظع منه، هو أيضا يستحق الإعدام، والمنطق يقول إن بتر العضو “المريض”، من دون علاج البدن يعني أننا أخطأنا في التشخيص، أو ربما تركنا الداء، وبترنا العضو السليم.
المشكلة أن الفتن التي تسيل فيها الدماء، توصل الأمم، إلى الأنفاق المظلمة التي لن تشرق فيها الشمس إلا بعد أمد طويل، وهي حالة العراق الذي تداعى عليه الأمم، بحجة رئيسه الديكتاتوري، وبمجرد أن سقط الرئيس وقدّم للنحر، ابتعد الجميع عن المذبحة، وحاولوا الآن نقل المذبحة وتمكنوا إلى أماكن أخرى عرفت نفس مصير العراق.
اختارت أمريكا وبعض شيعة العراق يوم نحر المسلمين وعيد المسيحيين، وقدمت الرجل الملتحي الذي أفنى العمر في محاربة الملتحين، وتقدمت به نحو مشنقة بدائية عتيقة، لتقدمه قربانا لما تسميه هي بالديمقراطية، وكبّر الرجل وكبّر أعداؤه من الشيعة والأكراد وبعض السنة بهجة وفرحة، ولكن الرجل قبل أن يُلف الحبل حول عنقه التفت إلى جلاده وسأله: “هيك المرجلة؟ أهذه هي الرجولة؟
ومرت عشر سنوات وجاءت الإجابة في أبوغريب وغوانتانامو وغزة وسوريا وغيرها من بلاد العالم العربي والإسلامي.