الرأي

من يوقف المذبحة؟

صالح عوض
  • 612
  • 6
ح.م

في لبنان، مفروضٌ عليك أن تدفع الفاتورة، مرتين أو ثلاثا أو أكثر.. كيف لا وأنت في أجمل البلاد وأكثرها سحرا؟ بل كيف لا وأنت في بلد كل شيء فيه قابلٌ للولاء والتوزع والتشتت؟.. في لبنان تبدو المسافات بعيدة على من يريد أن يسير بمحاذاة شاطئه من بيروت إلى الجنوب، ذلك لأنك مضطر إلى اجتياز دول وحدود، حتى لو لم يكن هناك حراسٌ واقفون على بواباتها، فالطائفية سور يصعب اختراقه أو القفز عليه.

في هذا البلد الجميل الساحر، المعبإ متفجرات، القابل للاشتعال كل حين، أكثر من نصف مليون فلسطيني، مهجَّرين من شمال فلسطين، كانت تربطهم قبل الهجرة علاقات ود عظيمة بأهل لبنان، لاسيما الجنوب حتى بيروت، ذلك بأن شمال فلسطين قبل النكبة كان مرتعا للتجارة والمحاصيل والسعادة حيث ميناء فلسطين الشهير يافا..

ألقت النكبة بالفلسطينيين في حقول ألغام لبنان العصيّ، وأصبح عليهم أن يدفعوا الفواتير كلها.. فالفلسطينيون المهجّرون في غالبيتهم الساحقة مسلمون سُنّة، وهنا تبدأ المشكلة، فأولا: كونهم مسلمين يعني أنهم قوة إضافية للمسلمين اللبنانيين، ثم كونهم سنّة يعني أنهم قوة ترجيح لسنّة لبنان، لاسيما أن بينهم وبين سنَّة لبنان مصاهرات تاريخية.

في البداية، كان الأمر يُحسب على أساس ديني قبل أن تنمو لدى الشيعة أحاسيس الطائفية السياسية.. فلقد كان الشيعة المحرومون في بلدهم يرون في المقاومة الفلسطينية سندا لهم ورفاقا لهم في المظلومية، لكنهم عندما بدؤوا يتدرَّبون على السلاح ويشكلون ميليشيات وبدؤوا في محاولة فرض سياساتهم على سياقات البلد، وجدوا أن الفلسطينيين خارج خطتهم.

ثم جاء دور سنَّة لبنان، مرحلة الحريري والسنيورة وميقاتي، هنا بدأ لونٌ آخر في المعادلة.. إذ ينسجم هذا التيار مع مخطط أمريكا في توطين الفلسطينيين في لبنان، فكان لابد من إزالة المخيَّمات..

في هذه المحطات التاريخية المتلاحقة، كان على الفلسطينيين أن يدفعوا الضريبة من دمهم.. في المعطى الأول، عندما كان يُنظر إليهم على أنهم مسلمون، كانت مجزرة مخيّم تل الزعتر سنة 1975 وجسر الباشا والمؤامرة الانعزالية عليهم، وحرب السنتين العنيفة التي أودت بكثير من كوادرهم في لبنان، التي انتهت بمجزرة صبرا وشاتيلا سنة 1982.. ولما أصبحوا يُحسبون على السُّنة في لبنان، كان لابد أن يدفعوا الفاتورة، إذ شنّت قوات حركة أمل الطائفية حربا شرسة ضد الوجود الفلسطيني في مخيمات لبنان، كان أشدها عنفا حصار استمر عامين (1985-1987) على مخيم صبرا وشاتيلا، وأوقعت المليشيات الطائفية في الفلسطينيين آلاف القتلى والجرحى في ظروفٍ مأساوية.. ودفع الفلسطينيون فاتورة ثالثة قاسية في عهد الساسة السُّنة، فكان تدمير مخيم نهر البارد تدميرا متلفزا طيلة شهر كامل.

والآن، تتجدد مأساة الفلسطينيين في مخيمات لبنان بمزيدٍ من حصارهم ومنعهم من العمل وحرمانهم من ترميم بيوتهم والدفع بهم إلى الرحيل المُذلّ.. وذلك على بصر الجميع وسمعه.. لكن الله للظالمين بالمرصاد.

مقالات ذات صلة