الرأي

موسم “الشحّامين”!

جمال لعلامي
  • 892
  • 3
أرشيف

عندما يصل الحال بالانتهازيين والغماسّين و”الشحّامين” إلى شحن قفف رمضان في شاحنات الزبالة، ويستفيد منها في مناطق أخرى موظفون ومنتخبون، ويلجأ آخرون من “القائمين عليها” إلى استبدال غبرة الحليب بمسحوق أبيض مجهول الهوية والمنشأ، وقد يكون من عائلات الجبس، فهنا من الطبيعي أن يرفع الضحايا أياديهم ويتضرعوا إلى العلي القدير في هذه “العواشير”!
..”الله ينوّض الحبّ في راسكم”، على حدّ تعبير “مخلوف البومباردي” في فيلمه الشهير “كرنفال في دشرة”، فهل بهذه الطريقة البائسة يا عباد الله، يتمّ استقبال شهر التوبة والغفران؟ ولماذا تتكرّر مثل هذه الانحرافات والتجاوزات والفضائح، كلما عاد رمضان؟ ألا يستحي المتورطون مما يقترفوه من إثم وعدوان في حقّ إخوانهم الفقراء والغلابى؟
..”الله يعطيكم بوشوكة”.. هكذا نقل مواطنون عن عجوز زوالية، تمّ نهرها وإقصاؤها في إحدى بلديات الجزائر العميقة، وهذه “الدعوة” التي تدرج في قائمة “دعاوي الشرّ”، تكفي من المفروض لاستيقاظ الضمائر، وعودة الضالين إلى الطريق المستقيم، بعد سلسلة من المهازل ومسار حافل من الخداع والسمسرة والبزنسة بالسّحت والمال والرزق الحرام!
..”الله يسلـّط عليكم بوحمرون”.. لسان حال متضرّرين ومعوزين من هؤلاء المتلاعبين، الذين لم تسلم معهم حتى قفة رمضان، فمنهم من مدّ يديه وأرجله إليها، ومنهم من غشّ فيها، ومنهم من دسّ فيها سلعا فاسدة ومنتهية الصلاحية، ومنهم من ضخّم فواتيرها، ومنهم من أهان محتاجيها بنقلها عبر مركبات القمامة، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله!
مثل هذه المظاهر الغريبة عن طباع وأصول الجزائريين، تكشف أن المجتمع تغيّر فعلا قلبا وقالبا، ومن الداخل، وهذا ما يبرّر هذه الصوّر التي لم تكن موجودة من قبل، وإن كانت موجودة فبنسبة محدودة، ولذلك، كان النهب والسرقة والغش والتدليس والتزوير والفساد و”الحقرة” وغيرها من التصرفات المشينة، غير القانونية وغير الأخلاقية، مجرّد أفعال معزولة وفردية وشاذة، وبطبيعة الحال، فإن الشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه!
الآن، تحوّل كلّ ذلك، إلى “شطارة”، يلجأ إليها للأسف المصلي وتارك الصلاة، ومن أجلها يتنافس التقيّ والمنحرف والفقير والغني والضعيف والقويّ، والموظف والمسؤول، والأمي والدكتور، وهو ما قلب الموازين ولوّن أطياف المجتمع الجزائري بألوان الطيف، ولم يترك فيه منطقة رمادية!
غابت النيّة وانتحر الضمير، فحلّ والعياذ بالله هذا الخراب الذي يضرب الذهنيات، وأصبحت البطون تتحكّم في العقول، وليس قفة رمضان إلاّ نموذجا لهذا الانزلاق الذي يأخذنا إلى حيث الندم وهم يحزنون!

مقالات ذات صلة