-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ميلونشون ومسيحة

ميلونشون ومسيحة

يقف المتابعُ للنقاش الذي تشهده فرنسا منذ جريمة مقتل الشاب “نائل” قبل أسبوع، على تناقضات بالجملة بشأن طريقة تعاطي السياسيين والإعلام مع الحادثة، إلى درجة أنك تجد أن شخصية فرنسية الأصل مثل جون لوك  ميلونشون هي رأس الحربة في الدفاع عن حقوق المهاجرين، مقابل حملة عنصرية معاكسة ضدهم يقودها سياسيٌّ مصريُّ الأصل هو جان مسيحة وصل به الأمر إلى حدِّ إطلاق مبادرة لجمع التبرعات لدعم عائلة الشرطي القاتل.

وبعيدا عن الجدل بشأن ظروف مقتل الفتى “نائل”، بحكم أن الجريمة ليست جديدة وهناك قانون صدر عام 2017 أعطى الضوء الأخضر لرجال الأمن لقتل أي شخص له ملامح المهاجرين لمجرد ارتكابه تجاوزات بسيطة، فإن الجريمة الأخيرة أحدثت فرزا في الساحة الفرنسية يمكن ملاحظته في نقاشات البلاتوهات وتصريحات السياسيين، يمكن تلخيصُه في أنَّ حقيقة وجود مجتمعين؛ الأول للسكان الأصليين والثاني للمهاجرين داخل هذا البلد الأوروبي، انكشفت رغم محاولات التغطية عليها.

وبدل معالجة جذرية لأسباب هذه الأزمات، غرق الساسة في فرنسا في نقاشات الهوية، رغم أن التقارير الحقوقية وحتى الرسمية حول وضع الجاليات المهاجرة ظلت تدق ناقوس الخطر بشأن خطر محدق يهدد المجتمع.

وتؤكّد تقارير حقوقية أن الشخص بملامح عربية أو إفريقية معرَّض 20 مرة أكثر من غيره للمضايقات من قبل الشرطة عبر الطرقات، وأن نسبة البطالة بالضواحي تزيد بنسبة 3 بالمائة عن المعدل الوطني، فضلا عن التهميش والنقائص المسجلة في قطاعات أخرى.

هذه الحقيقة يُقرُّها ميلونشون قائد حزب “فرنسا الأبية” اليساري، الذي كان طيلة هذه الأزمة يتقدم صفوف المدافعين عن حقوق المهاجرين، ويحمِّل الحكومات المتعاقبة في باريس مسؤولية هذه الأوضاع، بعد فشل سياسات الإدماج واللجوء إلى حلول ترقيعية تعطي نفس النتائج في كل مرة، باتساع رقعة العنصرية تجاه الأجانب والتي أنتجت بدورها حالة احتقان مزمنة تتحوَّل إلى عنف من أول شرارة.

وتحوَّل هذا السياسيُّ إلى العدو الأول لليمين المتطرف وأطراف من اليمين الوسط، وسط اتهامات له بمحاربة مبادئ الجمهورية، رغم أن الواقع وتطورات الأحداث أعطت مصداقية لأطروحاته، لأن تعامل السلطات الرسمية مع حادثة مقتل “نائل”، كشف استمرار مبدأ الكيل بمكيالين في معالجة الأزمات التي لها علاقة بملف الهجرة، والدليل أن المسؤولين على كافة المستويات تحاشوا حتى زيارة عائلة هذا الشاب لتقديم الدعم المعنوي لها على الأقل.

ومن التناقضات التي تعيشها هذه الدولة التي تتبنى شعار “المساواة والأخوّة والحرية”، أن جزءا من مجتمعها تخلى عن قيمه الإنسانية برفض التعايش وقبول الآخر، إلى درجة أن شخصية مثل جان (حسام) مسيحة، ذي الأصول المصرية، أصبح رمزا من رموز اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، وأكثر شراسة في الدفاع عن “قيم الجمهورية” من لوبان وزمُّور وغيرهما.

ووصل الأمر بهذا السياسي، وهو من عائلة مهاجرة، إلى درجة إطلاق مبادرة جمع تبرعات لفائدة عائلة الشرطي الذي ارتكب جريمة قتل “نائل”، وأرفقها بتغريدة تقطر عنصرية يقول فيها “أدعم شرطيًّا بدل دعم شابٍّ جانح”، كما جمع أزيد من مليون أورو من التبرعات، التي وصفها البعض بالفضيحة التي تعد بمثابة تحديد ثمن قتل أي شخص من أصول مهاجرة.

وهذا “المهاجر” الذي ظل همّه خلال السنوات الأخيرة هو مهاجمة شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي، اكتشف بعد رحلة تزلف لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان أن حزبها مازال يعامله بدونية واحتقار بعد رفض ترشيحه للبرلمان، على طريقة المثل الجزائري “العربي عربي ولوكان الكولونيل بن داود”، ليلتحق برفيق دربها اليهودي إيريك زمور ليواصل مهمة تفريغ عقده النفسية.

وأظهرت هذه النقاشات المزمنة أن هذه القوة الاستعمارية السابقة، تحصد ما زرعته منذ عقود، في إطار سياسات الهجرة التي همّشت شريحة واسعة من مجتمعها كان لها الفضل في بناء مجدها السياسي والاقتصادي، لينتهي بها الأمر في مستنقع خطير، أضحى فيه اليمين المتطرف الذي يتزايد نفوذه يوما بعد يوم هو من يحدد بوصلة مجتمع متعدِّد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!