الجزائر
مدن تغرق في القاذورات ومواطنون لا يملكون ثقافة النظافة

مُختصون يتأسفون: “ننتظر أخطر الأمراض لأن مجتمعنا غارق في الإتكالية”

نادية سليماني
  • 4297
  • 35
ح.م

الكوليرا كانت منتظرة في الجزائر ومنذ زمن.. سيصيبنا أكثر من الكوليرا لو واصلنا في سياسة “تخطّي راسي”، المُواطن لن يشعر بخطورة سلوكاته إلاّ بعد وصول الأمراض لعقر داره.. هذه وأخرى كثيرة من التعليقات التي ردّدها الشارع الجزائري للتّنديد بظاهرة غياب ثقافة النظافة لدى كثير من العائلات، والتي ساهمت رفقة لا مبالاة المسؤولين في عودة أمراض الفقر و”الوسخ” إلى بلدنا.
لفت ظهور داء الكوليرا بالجزائر الانتباه لظاهرة لطالما أسالت كثيرا من الحبر، ألا وهي غياب ثقافة تنظيف والاهتمام بالمُحيط، والتي تركها المواطن لرجل النظافة والبلدية والولاية، والتي لا يُمكن لهم دون تعاون أفراد المجتمع من القضاء على أكوام النفايات المنتشرة في كل مكان، حتى قرب أبواب المنازل.
مسؤولية السلطات المحلية في تنظيف المحيط، أمر لا نقاش فيه بل هو واجب والتزام، فالدولة هي من توفر التجهيزات وتقود أو تنظم الحملات التطوعية للتنظيف، ولكن أين دور المواطن من كل هذا؟ فهل البلدية مكلفة بحمل القاذورات التي تخلفها العائلة بعد خروجها من شاطئ البحر، وهل هي مجبرة على حمل حفاظات الأطفال التي “تغرسها” الأمهات وسط رمال البحر لتنبشها الكلاب والحيوانات المتشردة، وماذا نقول عن مواطن يتغوّط داخل مياه البحر والوديان السياحية، وحتى داخل سدود مياه سقي الخضراوات وأشجار الفاكهة بحجة غياب المراحيض، دون الحديث عن الفلاح الذي يسقي منتوجاته بمياه الصرف الصحي.. وكم من عائلة تسمح لأبنائها بالسباحة في الوديان والبرك الملوثة، وهل السلطة هي من تجبر المواطن على السباحة في الشواطىء الملوثة، وكم من عائلة في الجزائر تعلم موعد مرور شاحنات القمامة، وكم من شخص يساعد رجل النظافة عندما يهم وحيدا بحمل أكوام النفايات من أمام عتبة منزل هذا المواطن.

“هيدورات” متعفنة و”الدوارة” مرمية في الشوارع

وأبسط مثال على تهاون كثير من الأفراد في اتباع إجراءات النظافة، تذوّقهم الفاكهة مباشرة من صناديق الباعة دون غسلها، وعدم غسلهم الأيادي قبل وبعد تناول الأكل خارج المنازل.. أما في عيد الأضحى المبارك فلاحظنا العجب العجاب من السلوكات “القذرة” ، فالمواطن لم يكلف نفسه عناء وضع جلود الكباش أو”الهيدورات” في كيس كبير مع رشها بالملح لتجنب انتشار روائح تعفنها الكريهة في الشوارع، ومثلها “الدوارة” التي رأيناها مكدسة أكواما أكواما ودون تغطية في بعض أحياء العاصمة، ما جذب أسراب الذباب والبعوض، ألم يكن من الأفضل توزيعها على الفقراء للتمتع بطعمها؟
وعلف الكباش “القرط” الذي نثرته الرياح في كل مكان، بعدما ترك باعته المكان دون تنظيف.
وفي مدن كبرى نرى قطعان الماعز والبقر والكباش ترعى في المزابل والمفرغات العمومية، والمواطن يتهافت على الشراء من “أوسخ” الأماكن مثل مقطع خيرة، بحثا عن توفير بعض النقود، ويشتري فاكهة وخضرا ودجاجا فاسد لأن ثمنها منخفض ومُغر، وكم من سيدة ترمي قمامتها ومياه تنظيفها من نافذة مسكنها، لتقع على رأس مواطن، قد يكون يسابق الوقت للوصول لوظيفته.
رئيس بلدية بوفاريك، والتي شهدت أكبر عدد حالات الإصابة بالكوليرا، خرج عن صمته وبعدما اتهم السلطات المحلية ومنهم “بلديته” بالتقصير لقلة التجهيزات، قالها صراحة “كم من حملة تنظيف أعلنا عنها وخرجنا للأحياء، لنتفاجأ بتجاهل المواطنين، ففي حي تسكنه 3 آلاف عائلة شارك في حملة التنظيف 3 مواطنين فقط؟؟”. وكثير من العائلات تنظف الأوساخ من أمام منزلها وترميها أمام أبواب الجيران، وهو ما يقود لطرح تساؤلات منطقية، أين الجمعيات وأطياف المجتمع المدني من كل هذا، والتي يتسلم كثير منها حتى مليار سنتيم سنويا كإعانة من السلطات المحلية، لتنظيم رحلات ترفيهية للأطفال والشيوخ؟ ألم يكن أجدر بهم تنظيم حملات تنظيف ولو مرة كل 3 أشهر بإشراك جميع فئات المجتمع.

المختص الاجتماعي: في الدول المتطورة المواطنون يبادرون بالتنظيف قبل الدولة

وفي هذا الصدد، أكد المختص في علم الاجتماع، أحمد رابحي في اتصال مع “الشروق”، أن ما ينقص المجتمع الجزائري هو “القدوة”، فلو أقدم كل مواطن على تنظيف شارعه وحيه، لاقتدى به الغير، ولكن انتشار جملة “تخطي راسي” و”الدولة عندها دراهم” هي من نشرت أفكار سلبية في عقول كثيرين، وجعلتهم يعتمدون كلية على “السلطة” لتسيير أبسط شؤونهم، ومنها التنظيف أمام منازلهم.
واعتماد المواطنين على الغير، جعلهم يهملون الكثير من الأمور البديهية، وحسبه “هل نحتاج لحملات توعية وتحسيس من الدولة لنغسل أيادينا قبل الأكل؟ وهل يلزمنا إجراءات ردعية لنحمل قاذوراتنا من الشواطىء، وهل تحتاج الأمهات لتحذيرات حتى تنظف أولادها وتجنبهم الإصابة بالقمل…”
وحسبه “مجتمعنا أصبح غارقا في الاتكالية على الغير، وفي الطاقة السلبية، حتى في الأمور التي تخصه”، وهو عكس الحاصل في الدول المتطورة، حيث قال “مثلا في إيطاليا وبعد انتشار ظاهرة الحفر في الطرقات الرئيسية لعاصمتها روما، تنظم سكان المدينة في جماعات، وتشاركوا في شراء الإسمنت وكل ما يلزمهم من أدوات، وأغلقوا غالبية حفر المدينة حتى الكبيرة منها، وفي الوقت نفسه كانوا يرفعون شكاوى للبلدية للتنديد”، وفي فرنسا من يرمي مجرد ورقة في الشارع يسدد غرامة بـ 50 أورو كاملة.
ليتساءل بالقول “هل يجب أن تفرض الدولة وفي مجتمع مسلم غرامات على المواطنين حتى يتنظفو؟؟”.

مقالات ذات صلة