الرأي

نحو حرب عبثية بالوكالة بين مصر وتركية

حبيب راشدين
  • 2019
  • 3
ح.م

الأحداث تتسارع بوتيرة جنونية في الأزمة الليبية، مع حصول تصعيد خطير، بداية الأسبوع الماضي، بقصف استفزازي “مجهول” لقاعدة الوطية، وتهديد تركية بتنظيم مناورة بحرية ضخمة، استبقها المصريون بمناورة عسكرية على الحدود المصرية الليبية، وقد تتوافق مع مناورة بحرية فرنسية بمشاركة اليونان وقبرص، وأخرى أمريكية في الحوض الشرقي للمتوسط، قد تشكل جميعها مسارا تعبويا لاشتباك وشيك على خط سيرت الجفرة.

ما كنا نخشاه على أمن إقليم شمال أفريقيا من التدخل السافر لعدة قوى إقليمية ودولية، بات الآن مجسدا على الأرض، يضع لأول مرة وجها لوجه واحدة من أكبر الدول الإسلامية (تركية)، على خط تماس متفجر مع أكبر دولة عربية (مصر)، وقد استدرجتهما أياد خبيرة إلى حافة الهاوية برمال ليبيا المتحركة، وغلقت عليهما الأبواب، وقطعت أمام البلدين خطوط الرجعة، وقيل لكل واحد منهما “هيت لك”.

الاستدراج بدأ منذ أكثر من سنة بتشجيع الدمية “حفتر” على مغامرة حصار طرابلس بدعم إماراتي مصري مباشر، وتشجيع روسي عبر مرتزقة “الفاغنر”، قبل أن تجمد قواته على بعد كيلومترات من قبل العاصمة، إلى أن نجح أحد الأطراف في إقناع المغرور أردوغان بالتدخل العسكري المباشر، وتغذية شهيته لاستعادة ما يزعم أنه “إرث تاريخي” للإمبراطورية العثمانية، بعد قرن من تفكيك الخلافة، فيما كان طرف آخر يضيق الخناق على الرئيس المصري جنوبا، بتهديد قاتل للأمن القومي المصري عبر سد النهضة.

فاللعبة تكاد تكون مفضوحة، لعب فيها الروس والفرنسيون دورا “خبيثا” مفضوحا، سهل فيه الروس للأتراك مهمة وضع القدم بانسحاب قوات الفاغنر الروسية من الجبهة الأمامية، وافتضاح سوءة ما كان يسمى بالجيش الوطني الليبي، ونشاهد نوعا من التنسيق الروسي الفرنسي المشبوه، ودخول إيطاليا على الخط بتفاهمات عسكرية مع الأتراك، وتشجيع أمريكي للطرفين المصري والتركي، للمضي قدما نحو صدام مبرمج، قد ينقل بسرعة الأزمة الليبية من حرب أهلية محدودة، إلى صراع إقليمي مفتوح على مواجهة دولية، تريد أن تتخذ من ليبيا ساحة تجريبية لمواجهات قادمة بين الشرق والغرب، لإعادة تقسيم الكعكة في العالم الجديد.

جميع التسهيلات الممكنة قدمت للطرفين، فلم تحرك المجموعة الدولية ساكنا لردع الجانب التركي عن ارتكاب حماقة التدخل العسكري المباشر، كما لم تحرك ساكنا من قبل لردع الأمارات ومصر وفرنسا عن دعم العدوان على طرابلس، ولم يوجه بعد ذلك أي تحذير للطرف المصري، قبل وبعد قرار التصعيد بوضع خطوط حمراء على بعد ألف كلم من الحدود المصرية الليبية، ليتواصل الاستدراج بتنفيذ عملية الوطية، بشراكة فرنسية إسرائيلية، وبداية إعادة انتشار لقوات فاغنير، في ما يشبه الإخلاء التكتيكي المحسوب لمنطقة سيرت والجفرة أمام الأتراك، ووضع المصريين أمام خيار المواجهة المباشرة للزحف التركي.

قبل هذا؛ كانت عدة أطراف، ومنها فرنسا، حاولت استدراج الجزائر لهذا المستنقع، فكان الرد حساما من القيادة الجزائرية برفض التدخل الخارجي، أيا كان مصدره، والتحجج بالمانع الدستوري، حتى في رفض طلب من حكومة السراج للاستعانة بخبراء عسكريين في إزالة الألغام، وهو في تقديري قرار حكيم، يفترض أن تتمسك به القيادة السياسية والعسكرية كيفما كانت التطورات القادمة للمواجه في ليبيا، ليس فقط في الملف الليبي، بل في أي أزمة إقليمية قادمة، تحرك في السنوات الخمس القادمة الحبلى بالألغام.

في هذه المواجهة المبرمجة بين تركيا ومصر، نتابع بدهشة كيف تقاطعت مصالح الروس والأمريكان والأوروبيين بشكل لافت، حيث يتكشف كيف أنه من مصلحة الروس تعميق التوحل التركي في الرمال الليبية، بالقدر الذي يضعف الموقف التركي في سورية، كما لا ترى الولايات المتحدة أي إكراه في مواجهة بالوكالة، تعيد حليفتيها تركيا ومصر إلى بيت الطاعة، ولها مآرب أخرى في تأجيج حرب إقليمية تشغل الأوروبيين عن مشاغبتها في ملفات أخرى، ليكون الخاسر الأكبر إلى جانب الشعب الليبي الجار، أشقاؤنا في مصر وتركيا، بعد أن أصيبت قيادات البلدين بعمى الألوان، يقودان شعبيهما وبلديهما إلى محرقة في مواجهة عبثية بالوكالة، لا تملك لا مصر ولا تركيا فائض القوة لجني ثمارها.

مقالات ذات صلة