الرأي

نريد وثبة شاملة بعد التأهل

حسين لقرع
  • 3101
  • 5

الآن، وقد شبع الجزائريون من الاحتفالات بالتأهل إلى مونديال البرازيل، وفرحوا بضعة أيام، وحقّ لهم أن يفرحوا وينسوا خيباتهم وإحباطاتهم المتراكمة بفعل تراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للبلد، ينبغي التركيزُ على أن لا يتكرر سيناريو ما بعد 18 نوفمبر 2009، إذ احتفل الشعب بالتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا، ثم انشغلوا به بضعة أشهر إلى غاية المشاركة فيه، قبل أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ولا يتغير شيء.

ربما منح التأهلُ للجزائريين شعوراً رائعاً بأن “الريادة العربية” قد أصبحت لهم في المجال الكروي، ما دام منتخبُهم سيكون الممثل الوحيد للعرب في أكبر محفل كروي عالمي، وللمرة الثانية على التوالي، في حين فشلت 21 دولة عربية في تحقيق ذلك، ولكن الريادة الكروية لا تكفي، ليس لأنها مؤقتة، وتلك الأيام نداولها بين الناس، بل لأننا نريد في الواقع وثبة شاملة في شتى المجالات، وبخاصة في المجالات العلمية والمعرفية والتكنولوجية والصناعية… حتى يمكن للجزائر أن تنتزع الريادة عربياً وإفريقياً، وعلى صعيد العالم الثالث أيضاً، فتصبح دولة كبرى مهابة تحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء، وشتى الصناعات المتقدمة، وتصدِّرها إلى الخارج أيضاً، بدل أن تكتفي بتصدير المحروقات والمواد الخام…

الإمكانات لا تنقص البلد، فأراضيه شاسعة وهو الأكبر عربياً وإفريقياً، ومساحته بحجم قارة، فكيف يعجز عن تحقيق أمنه الغذائي وإطعام كل أبنائه من خيراتها، وهو الذي كان يجب أن يتحوَّل إلى سلة غذاء إفريقيا كلها على الأقل؟

أما الثروات فهي متوفرة بدورها ولله الحمد، فهناك البترول والغاز، وهناك أيضاً طاقاتٌ متجددة عديدة يمكن استغلالُها، وفي مقدمتها الثروة الشمسية الهائلة، وثمة “بحر” مياه جوفية في الصحراء، لا يقلُّ مخزونه عن 60 ألف مليار متر مكعب من المياه، مقابل 5 ملايير متر مكعب فقط في الشمال، وهناك ثروات طبيعية أخرى عديدة لا ينقصها سوى الاستغلال الأمثل، ليجعل البلاد في مرتبة عالمية مرموقة، عوض أن تبقى في الدوامة الحالية، عاجزة عن استغلال خيراتها الوفيرة، وبنيتها التحتية لتحقيق التنمية الشاملة، وتوفير العيش الكريم لكل أفراد شعبها، إن عجزت عن توفير الرفاهية له.

بعد 18 نوفمبر 2009 تراجعت “الحرڤة” إلى مستويات دنيا لبضعة أشهر، وأثار ذلك انتباه الجميع، قبل أن تستأنف مجدداً، لأن الشباب استفاق من نشوة التأهل للمونديال، ثم المشاركة فيه، دون أن يجد واقع البلد قد تغيّر باتجاه الأفضل، وبشكل يغنيه عن “الحرڤة”، فعاد مضطراً إلى ركوب قوارب الموت إلى شواطئ إيطاليا وإسبانيا.. بعد أن عبّر عن حبّه لبلده في أم درمان وشوارع كل بقعة في الجزائر بطريقته الخاصة، والآن يتكرر السيناريو ويبيت آلافُ الأنصار في العراء بضعة أيام، في ظروف مناخية قاسية، كما فعلوا أملاً في دخول ملعب البليدة، ثم يحتفل بطريقة جنونية في الشوارع بانتصار بلده، ويعبّر عن حبّه الجنوني له بطريقته الخاصة، وقد تتوقف “الحرڤة” بضعة أشهر أيضاً، ولكن هل يعجز البلد مجدداً عن استغلال هذه المشاعر الوطنية الفياضة لتحقيق وثبة شاملة تحسِّن أوضاع الناس كعربون محبة لهذا الشعب المحبّ لوطنه بجنون؟

 

وإذا كانت كرة القدم قد نجحت في إعادة الروح الوطنية إلى ملايين الشباب اليائس المحبَط، فإن السلطات مدعوّة إلى استغلالها للتصالح مع الشباب الناقم عليها، وأن تجتهد أكثر لوضع برنامج كفيل بتلبية طموحاته، وأن تفتح أمامه الآفاق واسعة لتفجير طاقاته لتحقيق انتصارات أخرى، ولكن في المجالات العلمية والفكرية والتيكنولوجية، والاقتصادية بالأساس، بدل أن تراهن كعادتها على استغلال الكرة لتخدير الشباب وإلهائه، فليس في كل مرة تسلم الجرة، وقد ينقلب السحر على الساحر يوماً.

مقالات ذات صلة