نساء يتمردن ويسألن عن بعل في بورصة الأزواج
لطالما كان الرجل، وعلى مدار العصور، هو من يبادر بخطبة المرأة، إذا ما نوى الزواج، حتى صار تقليدا لابد منه، لكن التاريخ وحسب ما رواه السلف، يحوي حالات نادرة لنساء خطبن بعولتهن لأنفسهن، بعدما تأكدن أن الأمر جد طبيعي ولا يغدو إلا خروجا بسيطا عن المألوف، ولأن الإسلام الدين الأشمل، قد رحّب بهذه البادرة التي أخذتها على عاتقها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، حينما خطبت الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسها، عندما رأت فيه كافة المقاييس التي تميز الرجل الحق، وبالرغم من أن هذا الزمن قد ولّى منذ قرون طويلة، وبالرغم من أن المفاهيم تغيرت والعادات والتقاليد تشعّبت، إلا أننا نلمس الكثير من حالات الزواج الناجحة في مجتمعنا اليوم التي أخذت المرأة فيها المبادرة، وكانت السباقة لخطبة من رأت فيه نصفها الثاني.
يخفي مجتمعنا اليوم صورا كثيرة لنساء تمردن على العادات والتقاليد، ولم يتحرجن من السؤال عن زوج، يقاسمهن حلو الحياة ومرّها، ويعشن اليوم حياة هانئة، يسودها الود والتفاهم.. البحث عنهن لم يكن بالأمر الصعب، فمثل هذه الطفرات، الفضول يقودنا اليهن… وأول حالة كانت لجميلة، 36 سنة، أرملة ولها ولد، تقول: “كنت متزوجة من شخص تورط في قضية ارهابية، سرعان ما تمت تصفيته على أيادي رجال الأمن خلال العشرية السوداء، تاركا لي ابنا، تكفلت بتربيته جدته لوالده، وبمرور الوقت احتجت لسند يعيلني ويهتم بي، وكنت دائمة التردد على سوق بومعطي، وهناك التقيت بزوجي الحالي، يملك طاولة لبيع الملابس، وبحكم أنني كنت زبونة وفية، وبالرغم من ارتدائي للجلباب، الا أن نوعا من الألفة نشأ بيننا، ولأني لمست اهتمامه المتزايد بي، سألته الزواج، طالما أنه على دين وخلق، فوافق وتزوجنا، ولكن بصعوبة، كون أهله كانوا رافضين لفكرة ارتباطه بأرملة، لكننا استطعنا مجابهتهم جميعا ونحن اليوم سعداء جدا”.
“خطبته لنفسي لأنه رجل والحمد لله اليوم”
تقول السيدة “نصيرة.ك”: “كان لدي زميل في العمل، كل ما يقال في خلقه هيّن، شاب عاقل، على دين، أجير، أعجبت بشخصه وبرجاحة عقله بحكم الاحتكاك الدائم بيننا في العمل، إذ كان السائق الخاص للشركة، ولحنكته كان المدير يكلفه بمهام أخرى، لم أكن أخفي إعجابي به، ففي كل مرة كنت أثني عليه سواء في حضرته أو في غيابه، وبمرور السنوات وقعت في حبه، ولم أتوان في طلبه للزواج عن طريق زميل آخر لنا، في البداية تفاجأ ولكنه وافق في النهاية، ونحن اليوم والدان لثلاثة أبناء والحمد لله كونه رجل بأتم ما في الكلمة من معان”.
“أعجبني ابن عمتي فطلبته للزواج منها”
إن كانت نصيرة قد استنجدت بزميل لها لخطبته زوجا لها، فإن السيدة “كنزة.ر” استنجدت بعمتها وهي والدة العريس، التي ابتسمت حال سؤالها عن الموضوع قائلة: “ليس عيبا أن نعجب بشخص ما، زواجي كنت السبب الرئيسي فيه، كان ابن عمتي يعجبني كثيرا، ولكني ومن باب الحشمة والخجل لم أستطع مصارحته، ومع هذا استجمعت قواي وطلبته من والدته التي هي عمتي.. ضحكت يومها كثيرا، لأنها بكل بساطة كانت تريد مفاتحتي في الموضوع ولم تدر كيف، والحمد لله تزوجنا ونحن اليوم نعيش تحت ستر الله”.
اختيارها له زجّ بها في دوامة من المشاكل مع أهله
ومع أن هذا النوع من الزيجات مستحب دينيا، إلا أن الكثير من العائلات الجزائرية ترى فيه أنه تقليل من شأن الفتاة، وجهل منها، فتعيّر بذلك طيلة حياتها وسطهم، وهي حال السيدة “خديجة” 38 سنة، من ضواحي العاصمة، التي أفادت قائلة: “اختياري لزوجي كان أهم حدث في حياتي، خاصة وأنني مؤمنة، وأدرك ألا غبار على الفتاة التي تخطب لنفسها، فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قال أخطبوا لبناتكم، عشت خمسة اشهر في بيت حماتي مرّت كالحلم، ولكن سرعان ما دبت المشاكل، لأن زوجي توقف عن العمل، ولم يجدوا هناك ما يعيروني به سوى أنني “بايرة” و”لا أخجل”، لأنني من بادر بخطبة ابنهم، وتمادت حماتي لحين وصفي بالخاطفة و”اللصقة” ما اضطرنا الى التعزيل من عندهم، ونحن اليوم نقيم في بيت للإيجار، وقد قطعت علاقتي بهم، كونهم آذوني كثيرا بدون وجه حق”.
“خطبت زوجي عن طريق صديق مشترك بيننا من أيام الجامعة”
قامت “صوريا” 33 سنة، محامية تحت التدريب بخطبة زوجها الحالي عن طريق صديق لها، اذ تقول: “درست وزوجي في نفس القسم بالجامعة، قضينا خلالها اربع سنين كاملة، كانت كافية لتتكون بيننا صداقة متينة، كنا نتقاسمها مع زملاء قلائل لنا، تخرجنا وافترقنا، ومع هذا بقينا على اتصال بالهاتف، وكنا نلتقي من حين لآخر لتذكر أيام الدراسة وما إلى ذلك، ويوما بعد يوم وجدتني أتعلق بزميلي “عمر”، فما كان مني إلا ان سألت عنه فعلمت انه لايزال أعزب، وهنا كلفت صديقا مشتركا لنا ليسأله رأيه فيّ، ويخبره انني معجبة به وبشخصه وأتمنى الزواج منه، ولم تمض سنة حتى كنت في بيته والحمد لله”.
“أين المشكل.. ما دام القصد بناء عائلة مسلمة”
كانت هذه حالات معدودات لأوانس وسيدات لم يخجلن من المبادرة وكنّ سباقات لخطبة اشقائهن الرجال، وللإلمام أكثر بالموضوع حاولنا جس نبض الطرف الآخر في الموضوع، والبداية كانت مع خالد، 35 سنة، موظف.. لم يفاجئه الموضوع بتاتا، ولم يجد فيه أدنى مشكل: “أين المشكل مادام القصد بناء عائلة مسلمة؟ ! المهم ليس من يخطب من، بل النتيجة والنية، فأين الخطب إن كانت المرأة هي من تطلب الرجل؟ المهم في الأخير النية وهي الحلال والزواج على شرع الله وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، أنا شخصيا لا أجد حرجا في الموضوع”.
“لن أمانع ان تقدمت لخطبتي امرأة”
“رضا” 33 سنة، بدوره، لا يجد مشكلة ولا مانع إن تقدمت لخطبته امرأة ما أعجبت به: “لن أمانع إن تقدمت لخطبتي امرأة، أين المشكل مادام القصد شريفا؟ المهم ليس من يخطب من، ربما هي ترى فيّ الشريك المناسب وأنا غافل عن هذا، أين المشكل إن سعت المرأة الى الرجل واختارته بنفسها، الزمن تغير والخطبة موجودة منذ الأزل، ورسولنا صلوات الله وسلامه عليه، حبب هذا النوع من الزواج، ونحن تابعون له، لهذا فلا خلل هنا”.
“الأمر سيزيدني شرفا إن حدث”
يصنف محمد، 34 سنة، هذا النوع من الزواج في خانة الشرف، إذ يقول في هذا الشأن: “الأمر سيزيدني شرفا إن حدث، تصور أن تختارك امرأة ما لنفسها وتكون هي المبادرة بذلك، في رأيي ليس هناك أحسن من هذا، ولا أجلّ من هذا، إن سنحت لي الفرصة وظفرت بزيجة من هذا النوع سأحمد الله ربي ليل نهار، لأن هذا ان عنى شيء، فإنه يعني أنني مميز”.
“الزواج قسمة ونصيب وليست المبادرة هي الأهم”
“الزواج قسمة ونصيب وليست المبادرة هي الأهم”، هو بالتحديد ما قاله عبد الناصر، اطار بالدولة، يؤمن بأن الزواج قسمة ونصيب، فلا حرج إن كان صاحب المبادرة هو المرأة، فالمهم هو الزواج الشرعي، ويبقى الموضوع في حد ذاته “مكتوب” و”قسمة ونصيب”.
فقير لايمانع إن تقدمت لخطبته امرأة
حمزة، شاب في سن الزواج، تأخر عنه بسبب حالته المادية المزرية: “أنا فقير ولن أمانع إن تقدمت لخطبتي امرأة ما، طالما أن الأمر في الحلال، ربما لدي الكثير من العاطفة وأنا مؤمن والحمد لله، ولكن إمكاناتي المادية لا تسمح لي بفتح بيت، فبالكاد أعيل نفسي ووالدي، لهذا لن أمانع إن وجدت من تخطبني لنفسها، كوني لن أجرؤ على هذه الخطوة بحكم حالتي المعيشية، وسأكون لها نعم الزوج والرفيق”.
المهم التفاهم وليس من يبادر
يرى عماد أنه في الحكاية ككل، القصد هو المهم، وليست المظاهر، وأن: “المهم التفاهم وليس مهما من يبادر، ففي النهاية سيكون هناك زواج بين طرفين، وكلاهما سيستفيد، وكلاهما سيوافق بعد تفكير جدي بالموضوع، فالاتفاق والرضا هما الأساس في مثل هذه العلاقات، وليس العكس”.
“هذا النوع من الزيجات محبّب في الإسلام، ما لم يرد به إضرار لطرف ما”
يؤكد الشيخ عبد الرحمان، إمام بأحد مساجد الجزائر العاصمة، أن هذا النوع من الزيجات شيء طبيعي في الإسلام “ما لم يرد به إضرار لطرف ما، فالزواج نصف الدين وأمنا خديجة خطبت خير الانام لنفسها لما رأته من صلاح فيه ومن خلق، والمصطفى الحبيب حبّب للآباء فكرة الخطبة لبناتهم دون أبنائهم، وبما أن الغاية هي فتح بيت مسلم فليس هناك أفضل من ذلك ولايسعنا نحن إلا الدعاء لهم جميعا بالتوفيق”.