نساء يحولن غضبهنّ إلى أحداث مأساوية وتصرفات غير سويّة
عمر من الانتظار تفنيه آلاف العائلات الجزائرية وهي تترقب الإفراج عن قوائم السكن الاجتماعي، وإلى حين ذلك يعيش بعضهم في ظروف أقل ما توصف به أنّها مزرية. منهم من يكابدون قسوة الضيق الخانق ومن تعتل أجسادهم، ويبلى أثاثهم في بيوت متهرئة جراء الرطوبة والبرد القارص، وآخرون تنهكهم أقساط الإيجار والتنقل من بيت إلى آخر، ولا عزاء لهم سوى أملا مشدودا إلى جدران تعليق القوائم، عساها تحمل لهم يوما فرجا ينسيهم معاناة سنوات.
باهتمام يفوق اهتمام أزواجهن، تتلقّف النساء المحرومات من سكن خاص جديد الموضوع، ويترقبّن بصبر نافذ مواعيد الإعلان عن المستفيدين، كونهن الطرف الأكثر تضررا من أزمة السكن، لأن البيت بالنسبة للمرأة هو مملكتها الخاصة التي تجد فيها حريتها التامة، وتتصرف في كل تفاصيله حسب ذوقها، عكس ما إذا كانت تسكن في بيت مستأجر، أو ضيق، أو مشترك مع عائلة زوجها؛ حيث تفتقد لأدنى حرياتها، وتحرم من أبسط حقوقها. وهي أسباب كفيلة بأن تحوّل غضب بعض النساء إلى أحداث مأساوية أو تدفعهن إلى تصرفات غير سويّة، فور سماعهن خبر غياب أزواجهم عن قوائم المستفيدين من السّكن.
ارتفع ضغطها وأضربت عن الطعام
في شقة قديمة جدا تساقطت جدرانها، وتآكلت أبوابها ونوافذها الخشبية، تسكن عائلة السيد الباهي.م المتكونة من زوجته ياسمينة وابنتهما الوحيدة ذات الـ 20 ربيعا، منتظرة فرج الحصول على سكن وتحقيق حلم الاستقرار بعد ما قضت أكثر من 23 سنة في التنقل من بيت مستأجر إلى آخر، غير أن قوائم السكن الاجتماعي المفرج عنها منذ حوالي أسبوعين بولاية قسنطينة، خيبت آمالهم من جديد، وتسببت في حالة إغماء وارتفاع ضغط للسيدة ياسمينة، التي امتنعت عن الطّعام لثلاثة أيام.
تواصلنا معها شخصيا عبر الهاتف وبحزن كبير عبرت عن شعورها وهي تجهش بالبكاء تقول: “وضعنا ملف طلب السكن منذ أكثر من 17 سنة، ابنتنا أصبحت امرأة، وعشنا متنقلين من بيت إلى بيت، وتحملنا جشع المؤجرين وسوء معاملتهم، ودفعنا مبالغ طائلة في إصلاح خراب بيوت غيرنا قبل أن نسكنها، أما أنا فسئمت من تنظيف وغسل أوساخ بيوت ليست ملكي، أثاثي أصبح كلّه خردة من كثرة التنقل، متى سيصبح لي بيت يا ترى؟ ربما ينتظرون حتى أرحل إلى داري الدائمة؟”
غادرت إلى بيت أهلها
وإن كانت قائمة السكن قد تسببت في إغماء وارتفاع ضغط السيدة ياسمينة، فهي قد دفعت أم ريتاج إلى حزم حقائبها وحمل رضيعتها والعودة إلى بيت أهلها، وتبرر السّيدة أن وضعها أسوء من وضع المساجين تقول: “أعيش داخل شقة ضيقة من ثلاث غرف مع عائلة زوجي المكونة من خمسة أفراد، أضطر للبقاء داخل غرفتي لساعات، عندما يكون أخويه الشابين موجودين بالبيت. أمّا هو فيذهب ولا يعود إلا في المساء أنا التي أتحمل الضغوطات، وأشعر أنّني مقيدة في كل شيء، لا حق لي في ارتداء ما أريد، ولا في الاستحمام متى أرغب، ولا حتى في الأكل والراحة.”
تهدد بحرق البيت
وبغضب أفقدها رشدها انهالت إحدى السيدات بالشتائم على زوجها محملة إياه مسؤولية عدم حصولهم على السكن، وغيابهم عن القائمة للمرة الرابعة بسبب لا مبالاته، وانعدام معارفه من أصحاب النفوذ، في الوقت الذي حصل شقيقه على السكن رغم أن ملفهم أقدم، مهدّدة بحرق البيت الضيق المتداعي إن لم تجد اسمه في القوائم القادمة. حسب ما روته قريبتها.
يذكر أن أزمة السّكن في الجزائر من أبرز الأزمات القائمة التي يعاني منها آلاف المواطنين الجزائريين، ومن أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج، رغم التحديات التي رفعتها الحكومة، والميزانيات الضخمة والبرامج التي سطرتها منذ 2013 للقضاء عليها في غضون ست سنوات؛ أي قبل حلول عام 2019، غير أن الواقع يقول باستحالة ذلك.