الرأي

نظرية الاستعداد

أكثر المسلمين لا يقرأون القرآن الكريم، وأكثر من يقرأونه لا يتدبرونه، وأكثر من يتدبرونه لا يقيِّمونه، حتى صار أكثرنا ينطبق عليهم شكوى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى ربه من هجران قومه للقرآن الكريم: “يارب، إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا”.

لقد أنزل الله – عزل وجل – القرآن الكريم على رسوله – عليه الصلاة والسلام – لينذر به من كان حيا. والإنذار هو الإعلام الممزوج بالتحذير والتخويف، ليأخذ المسلمون هذا الكتاب بقوة، ويفهموه بعمق، ويقيموه بينهم بحزم، لأنه “يهدي للتي هي أقوم”. 

ومما جاء في القرآن الكريم قوله – سبحانه وتعالى – آمرا المسلمين “وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون”. (الأنفال61). 

أنهي بما قاله من آتاه الله الحكمة وفقه الإسلام، الإمام محمد البشير الإبراهيمي: “لا تظنوا أن الدعاء وحده يردُّ الاعتداء، إن مادة دعا يدعو لا تنسخ مادة عدا يعدو (من العدوان)، وإنما ينسخها أعدّ يُعِدّ، واستعدّ يستعد، فأعِدوا واستعدوا تزدهر أعيادكم، وتظهر أمجادكم”. (آثار الإمام الإبراهيمي. ج3/ص 470). 

إن الأصل في الإسلام هو عدم الاعتداء، لقوله تعالى: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا”. (البقرة 189)، لأنه سبحانه وتعالى: “لا يحب المعتدين”. (البقرة 189). 

ولكن الله – عز وجل – الذي نهى عن الاعتداء هو الذي أمر برد أي اعتداء يتعرض له المسلمون، فقال سبحانه وتعالى: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..”. (البقرة 193). 

كائنا من كان هذا المعتدي، لأن العزة “لله ولرسوله وللمؤمنين”، كما جاء في القرآن، لو كنا نسمع ونعقل..

وحتى لا يعتدي على المسلمين أي معتد أثيم، ولا يطمع فيهم أي طامع لئيم أمرهم الله – عز وجل – بأن يأخذوا حذرهم، ويُعِدُّوا ما استطاعوا من قوة لمواجهة أي عدوان، ورد أي معتد، فقال: “وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوَّكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم”.

إن هذا الإعداد والاستعداد هو الذي فصّل القولَ فيه الدكتور أحمد العماري (من المغرب الشقيق) في أطروحته للدكتوراه تحت عنوان: “نظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار: المغرب نموذجا”. البالغ عدد صحفاتها (593) صفحة، يضاف إليها المصادر والمراجع والفهارس. وقد طُبعت هذه الرسالة في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية. لقد لفت نظري في عنوان الأطروحة جملة “في المواجهة الحضارية للاستعمار”، التي يُفهم منها أن المواجهة هي “حضارية” قبل أن تكون “عسكرية”، والأولى “دائمة” و”مستمرة”، وقد سماها المستشرق الفرنسي جاك بيرك “القتال الثقافي”، جريدة “القبس” الكويتية في 30/9 – ؟؟؟/10/1989. ص9). بينما المواجهة العسكرية قد لا تحدث، وإن حدثت فلا تدوم، وتنتهي إما بهزيمة طرف أو التصالح. 

إنه لا سبيل إلى الانتصار في هذه المواجهة الحضارية إلا بالعلم، ومن أجمل ما قيل في هذا الباب مقولة الشيخ الشهيد العربي التبسي وهي: “الإسلام دينٌ غذاؤه العلم”. (الشهاب. أوت 1932. ص 417). ومن هنا نفهم بعض الحكمة في أنَّ أول ما نزل من القرآن الكريم هو الأمر بالقراءة، التي هي مفتاح العلم. 

كما أعجبني إفراد الباحث الباب الرابع من كتابه ذي الخمسة أبواب والأربعة عشر فصلا إلى بحث ما سماه “الأصول المالية للاستعداد”، فالمال كما قال القائل: 

إن الدراهم في المواطن كلّها    تكسو الرجال مهابة وكمالا 

فهي اللسان لمن أراد فصاحة    وهي السلاح لمن أراد قتالا 

إن المتدبّر في القرآن الكريم يلاحظ أنه ما ذُكر الجهاد فيه إلا كان الجهاد بالمال مقدَّما على الجهاد بالنفس إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم…”. 

وندرك قيمة المال في هذا الميدان إذا علمنا – كما جاء في بعض الدراسات – أن كل مقاتل يؤمِّن حاجاتِه مجهودُ ثلاثة أشخاص في الجبهة الداخلية، وندرك معنى حديث رسول الله – عليه الصلاة والسلام – القائل: “من جهَّز غازيا، أو خلفه في أهله كمن غزا”، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. 

جاء في كتب تفسير القرآن الكريم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسر كلمة “قوة” الواردة في الآية بقوله: “ألا إن القوة الرمي..” وكررها ثلاثا. والرمي في عصر الرسول – عليه الصلاة والسلام – وما قبله وما بعده من أعصار إلى وقت قريب إنما يكون بالقوس أو بالرمح.. ولكن الرمي في عصرنا وما قبله ببضعة قرون ليس بالقوس أو بالرمح فقط، ولكنه بالمدفع، والصاروخ، والطائرة، والدبابة، والبارجة، والغواصة، وهذه كلها أسلحة يحتاج إعدادها إلى العلم.. خاصة أن العدو قد يرميك من مكان بعيد بآلاف الكيلومترات.. فكيف ترد عدوانه عليك؟ وكيف تعتدي عليه بمثل ما اعتدى عليك إن لم يكن لديك من السلاح مثل ما لديه، وأن لا يكون هذا السلاح تحت “رحمة” غيرك؟ 

إن الأصل في الإسلام هو السلام، فالله – عز وجل هو “السلام” وتحية المسلمين هي “السلام” ويكدحون لنيل “دار السلام”. وعليهم أن لا يكونوا لا أغرارا ولا أشرارا. 

لقد نكّر الله عز وجل – كلمة “قوة” لتشمل كل قوة في الإمكان إعدادها، من قوة الإيمان، إلى قوة العلم، إلى قوة العمل، إلى قوة الاتحاد، إلى قوة الاعتدال في الإنفاق حتى لا يصل “الموس للعظم” بسبب سفاهة التبذير..

وأنهي بما قاله من آتاه الله الحكمة وفقه الإسلام، الإمام محمد البشير الإبراهيمي: “لا تظنوا أن الدعاء وحده يردُّ الاعتداء، إن مادة دعا يدعو لا تنسخ مادة عدا يعدو (من العدوان)، وإنما ينسخها أعدّ يُعِدّ، واستعدّ يستعد، فأعِدوا واستعدوا تزدهر أعيادكم، وتظهر أمجادكم”. (آثار الإمام الإبراهيمي. ج3/ص 470). 

مقالات ذات صلة