-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نعم للدعم الموجَّه

محمد قحش
  • 637
  • 0
نعم للدعم الموجَّه

تحرص حكومات دول العالم على اعتماد سياسات الدعم  لمساعدة مواطنيها المعوزين، التي تشمل بعض السلع الإستهلاكية الأساسية ومختلف الخدمات بدرجات متفاوتة، فقد تكون موجهة للفقراء ولذوي الدخل الضعيف، أو للمنتجين كالفلاحين والمزارعين للصمود في وجه المنافسة الدولية أو لمواجهة الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية.

إلا أن إنفاق الحكومة الجزائرية على الدعم الشامل الموجه لكل شرائح المجتمع بما فيهم الأجانب والسياح يصل تقريبا إلى 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 1.3 % في الدول النامية، وهو ما يجعل سياسة الدعم هنا مدمِّرة للمنتجين والمزارعين، الذين لا يمكنهم الصمود في هذه الحالة أمام المنافسة الشرسة التي تفرضها السلعُ المستوردة والمدعومة، مما يدفع بالعديد من المنتجين والمزارعين إلى ترك نشاطهم والتوقف عن العمل والإنتاج.

إنّ سياسة الدعم التي تنتهجها الجزائر منذ الإستقلال، والمتمثلة في تقديم السلع الإستهلاكية والخدمات الأساسية لكل المواطنين وحتى الأجانب دون إقصاء، بأسعار أقلّ من أسعار تكلفتها الحقيقية، باعتبار أن ميزانية الدولة تتحمل الفارق بين السعر الحقيقي للمنتَج أو الخدمة، والسعر المنخفض الذي يتم تقديمه لكل المواطنين والأجانب على حد سواء، وأغلب هذه المواد مستورَدة من الخارج بالعملة الصعبة، مثل بعض المواد الغذائية، كالقمح والشعير ومشتقاتهما والسكر والحليب، وبعض المواد الأساسية بما فيها الأدوية، إلى جانب دعم المواد والسلع والخدمات المحلية مثل الماء والكهرباء والغاز والبنزين، والسكن والصحة والتعليم بجميع أطواره.

وبالعودة إلى تجارب الدعم السارية في البلدان الرائدة، نجد أن سياسة الدعم القائمة في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، موجهة للطبقة المحتاجة فقط، إذ تمنح للمعوزين قسيمة شراء خاصة بالمواد الغذائية الأساسية، وهي غير قابلة للاستبدال بمواد أو خدمات أخرى، كما لا يمكن تحويلها إلى نقود، وهناك أيضا دعم السكن الموجَّه لذوي الدخل المنخفض فقط، وليس للبطالين، إذ يستطيع المؤهَّلون من ذوي الدخل المنخفض، شراء منازل بأسعار مخفضة بنسبة 50 % أو أكثر من سعرها الحقيقي، وفق شروط محددة، إذ لا يمكن للمستفيد من هذا السكن المدعم، تأجيره لشخص آخر، ولا يستطيع بيعه قبل 15 سنة، إلى جانب الدعم الخاص بالرعاية الصحية والدعم المخصص للبطالين الذين يجددون بياناتهم شهريا، للحصول على منحة، وإذا تعذر عليهم إيجاد عمل، تدفع لهم مصاريف الدراسة لستة أشهر في التخصصات المطلوبة في السوق.

أما الدعم الخاص بالتعليم الجامعي، الذي يعدّ الأغلى في العالم، فهو قائمٌ على التحفيز، أي تحفيز الطلبة للحصول على علامات جيدة، مقابل الاستفادة من علاوات ومجانية التعليم.

ولا يقتصر الدعم في الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول المتطورة على الطبقة الإجتماعية فقط، بل هناك  دعمٌ خاص بالمنتجين والمصدرين والمزارعين، لحمايتهم من المنافسة الدولية، فضلا عن تقديم بعض الإعفاءات الضريبية والجمركية، للحفاظ على العمال والعملة الوطنية وحماية الصناعة المحلية.

الآثار السلبية لسياسة الدعم الشامل

إن الانفجار السكاني في الجزائر، والطلب المتزايد على السلع والخدمات، يقابله الإنخفاض في أسعار المحروقات، التي تعدّ المصدر الرئيسي والأساسي للإقتصاد الجزائري، إلى جانب ظاهرة تهريب المواد والسلع الإستهلاكية والأساسية عبر الحدود، وإحتكار مواد أساسية في الأسواق، وكذا المنافسة غير العادلة أو غير القانونية في الأسواق الجزائرية، المنتشرة عبر التراب الوطني، والتبذير المفرط وتفشي الفساد وظهور مافيا التجارة، التي يقوم فيها المضاربون  بتخزين المواد المدعمة وإحتكارها وإعادة بيعها بأسعار عالية عندما يقلّ عرضُها في الأسواق، على حساب الطبقة الهشة والمعوزة، أو تهريبها إلى البلدان المجاورة، متسبِّبة بذلك في استنزاف المزيد من أموال الخزينة العمومية.

ينبغي رفع الدعم تدريجيا بالموازاة مع تحسُّن الأجور ومستوى القدرة الشرائية، ويُستحسن أن تبدأ بمادة واحدة فقط، أي برفع الدعم عن مادة إستهلاكية واحدة، نستطيع من خلالها بناء قاعدة بيانات الطبقة الهشّة والمعوزة، حتى لا نصطدم بهيجان شعبي، وتفاديا لإتساع رقعة الفقر في حال رفع كل المواد المدعمة دفعة واحدة وفي آن واحد. لا يمكن المغامرة في اقتصاد ذي قدرة شرائية ضعيفة.

الإنفاق الحكومي الكبير والمقدر بـ17 مليار دولار الموجَّه لسياسة الدعم الشامل، يحمّل ميزانية الدولة مبالغَ مالية كبيرة بالعملة المحلية والعملة الصعبة، على حساب الإنفاق على البنية التحتية، والصحة والتعليم والزيادة في الأجور، مما ينتج عنه عجزٌ مالي، يحول دون رفع القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي للمواطن المعوز.

– الزيادة في معدلات التضخُّم وارتفاع أسعار صرف العملة الصعبة على حساب العملة الوطنية.

– الإسراف في إستخدام واستهلاك المواد المدعمة لانخفاض أسعارها، خاصة أصحاب المصانع والأغنياء، وذوي القدرة الشرائية المرتفعة.

الحلول المقترحة

– إنشاء قاعدة بيانات تتضمن إحصائياتٍ دقيقة لقوائم المستفيدين الحقيقيين من الدعم، وإقصاء من ليس لهم الحقُّ في ذلك، وجعلها تقتصر على الطبقات الإجتماعية الهشّة والفقيرة، دون تهميش الطبقة المتوسطة، وهذا يتطلب جهدا كبيرا ومدة زمنية طويلة.

– تشديد العقوبات على المخالفين والفاسدين والمستغلين والمهرِّبين عبر الحدود.

– رفع الدعم تدريجيا بالموازاة مع تحسُّن الأجور ومستوى القدرة الشرائية، ويُستحسن أن تبدأ بمادة واحدة فقط، أي برفع الدعم عن مادة إستهلاكية واحدة، نستطيع من خلالها بناء قاعدة بيانات الطبقة الهشّة والمعوزة، حتى لا نصطدم بهيجان شعبي، وتفاديا لإتساع رقعة الفقر في حال رفع كل المواد المدعمة دفعة واحدة وفي آن واحد. لا يمكن المغامرة في اقتصاد ذي قدرة شرائية ضعيفة.

– رفع الدعم تدريجيا يُستهلّ بمادة واحدة، كمرحلة أولى وتعويضها بالزيادة في الدخل للطبقة الإجتماعية الهشة والمعوزة، أي على شكل “إعانات نقدية” أو “وصل” أو “قسيمة شراء” خاصة بالمادة المعنية غير المدعومة للبطالين والمعوزين، إذ لا يمكن إستخدامُها إلا في أغراض محددة، تكون مسجلة باسم المستفيد المعني بها، الوحيد المخوَّل له بصرفها واستعمالها.

– الشروع في رفع الدعم عن السلع المستورَدة بالعملة الصعبة أوّلا.

– الإستثمار ودعم المنتجين المحليين بشكل غير مباشر، عن طريق تطبيق تسهيلات في القروض والضرائب، والتشجيع على إنتاج المواد المدعمة المستورَدة من الخارج بالعملة الصعبة محليا، ويُستحسن أن نقوم بإنتاج المادة الأساسية محليا التي تم رفعُ الدعم عنها، والترويج للسلع الوطنية، ووقف الاستيراد من الخارج للحفاظ على المنتوج المحلي، وبالتالي الحفاظ على احتياطي الصرف، ورفع قيمة  الدينار الجزائري، فهذا سيؤدي إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن، والمستوى المعيشي بشكل عام.

ولأن التركيبة الإجتماعية معقدة، في ظل عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة وشاملة لكل الفقراء أو القريبين من عتبة الفقر، أو المعوزين أوالبطالين، وحتى الطبقة المتوسطة، فإن هذا يفرض أن يكون رفع الدعم تدريجيا، وأن يبدأ سلعة بسلعة، المهم أن نباشر هذه الخطوة، ولو اقتضى الأمرُ سنوات، دون إلحاق أضرار بالطبقة الإجتماعية الضعيفة (الفقيرة وحتى المتوسطة) ولهذا نؤكد هنا، على أن تتم عملية رفع الدعم بطريقة تدريجية، ومواكبة للعمل على تحسين الأجور ورفع القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين… خلاصة القول، نعم للدعم الموجه لا للدعم المعمَّم أو الشامل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!