-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نقابة الأئمّة.. الواقع والمأمول.. هل أصابت الوزارة وأخطأ الأئمّة؟

سلطان بركاني
  • 3576
  • 3
نقابة الأئمّة.. الواقع والمأمول.. هل أصابت الوزارة وأخطأ الأئمّة؟

لقد تبيّن لكلّ محايد منصف، متجرّد عن الهوى غير مرجف، أنّ وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، قد أصابت الحقّ من غير إجحاف، حينما استنكرت أن يطالب بعض الأئمّة المشوّشين، ممّن أرادوا خلط السياسة بالدّين، بمنح الضّوء الأخضر، أو على الأقل الأصفر، لإنشاء نقابة مرْضية، تدافع عن حقوقهم المادية، وتناضل لحفظ مكانتهم المعنوية.

وجود مثل هذه النقابة مطلب غير سديد، ينكره كلّ عاقل رشيد، خاصّة وأنّ الوزارة وعدت منذ وقت ليس بالبعيد، وشأنها الوفاء بالوعد والوعيد، أنّها ستضرب الطّاولة بقبضة من حديد، لتفتكّ حقوق الأئمّة من الحكومة، عكس ما يروّج له أهل اللّجاج والخصومة، ممّن أحرق الحقد والحسد قلوبهم، وعشعش سوء الظنّ في صدورهم، بأنّ الوزارة تقف صخرة صمّاء، في طريق خروج الأئمّة والخطباء، من الأزمات الخانقة التي يعيشها ورثة الأنبياء، وتريد لهم أن يبقوا من الشُّعث الغُبر البؤساء، بتقديمها تقارير مغلوطة بتراء، تشي بأنّهم يعيشون بحبوحة يحسدهم عليها الفقراء، والموسرون والأغنياء، على حدّ سواء، ونُصحِها المتواصل والصّادق للحكومة الراشدة، بأن لا تزيد مرتّباتهم الزائدة، فتَتسبّب في إصابتهم بعين حاسدة. يكفيهم أنّهم يتقاضون أموالا طائلة، ومبالغ هائلة، من مصادر كثيرة زائلة وغير زائلة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الرقية- الشّرعية منها وغير الشّرعية-، الختمة (قراءة القرآن في المآتم)، عقود الزّواج (الفاتحات)، التّعاقد مع الوكالات السياحية لترغيب المصلّين في الحجّ والعمرة؟!

ثمّ قبل هذا وذاك، هل نسي الأئمّة أنّ النّقابة أمر غير مباح ولا مطلوب، لاستعادة كلّ حقّ ضائع مسلوب، فهي نوع من الخروج على ولاة الأمور، ومصدر لكلّ الفتن والشّرور، على قول بعض الأئمّة السلفيين من أهل العلم الموفور، المعارضين لتأسيس نقابة يقودها أصحاب الخيلاء والغرور(!).. فمن أراد الخير والسّلاسة، فليلزم طاعة أولي الأمر والرياسة، حتى يظهر الدجّال والجسّاسة!؟

هذه شنشنة عرفت من أخزم وأطرم، ورأي من الآراء طرح ولا يزال يطرح، ولعلّه سيجد مزيدا من المؤيّدين والأنصار في ظلّ الخرجات والمواقف الأخيرة التي تبنّتها النقابة الرسمية للأئمّة وعمّال قطاع الشؤون الدينيّة.

 

هل حادت نقابة الأئمّة عن دورها؟

الحقّ والحقّ يقال، إنّ النقابات المهنية، شأنها شأن الأحزاب السياسية والتنظيمات الطلابية واللجان المسجدية، كثيرا ما تحيد عن الأهداف التي تنشأ لأجلها، وتتحوّل إلى جماعات تأييد لهذا الطّرف أو ذاك، وتتنكّر لهموم وتطلّعات قواعدها، لأجل مواقف يتّخذها أصحاب الحظوة فيها إمّا رغبة أو رهبة.

فهل يمكن أن تسري هذه العدوى وتتسرّب إلى نقابة الأئمّة؟ أم أنّه لا عدوى ولا طيرة؟

لقد تبيّن من خلال الخرجات الأخيرة لنقابة الأئمة الرسمية، التي زهدت في السياسة الشرعية، الهادفة إلى تقويم الرّاعي وإصلاح الرعية، وخاضت في أوحال السياسة الحزبية، بعيدا عن الهدف الذي كان ينتظره منها الأئمة وموظفو الشؤون الدينية، تبيّن أنّ نقابة الأئمّة ربّما لن تشذّ عن القاعدة، ولن تشبّ عن الطّوق.

لم يكن هذا مستبعدا خاصّة وأنّ فرسان المنابر أنفسهم يتحدّثون عن وجود طبقة من الأئمّة يصنّفون على أنّهم “سوبر أئمّة”، أصحاب أيد طويلة وأكتاف عريضة، تغنيهم عن التطلّع إلى “البقشيش” الذي تصبّه الوزارة في حسابات الأئمّة؟ وهم لا يريدون تعكير الأجواء بينهم وبين الجهات الوصية، ولو بكلمات نصح خافتة، قد تتسبّب في جرح بعض المشاعر المرهفة، لأجل قطاع عريض من الموظّفين الكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس.

 

الأئمّة بين الحقوق المادية والحقوق المعنوية

يخطئ من يريد لنقابة الأئمّة أن تكون كباقي النقابات، تستخدم كافّة الأساليب للوصول إلى أهدافها، دون مراعاة لخصوصية رسالة الإمام ومكانة المسجد، ويخطئ أيضا من يريد للإمام أن يكون طرفا يتحرّك بالوكالة، في خلافات وصراعات لا يراد للدين أن يكون له دور في حلّها، ولا يراد للإمام أن يقول للمحسن من الأطراف أحسنت وللمسيء أسأت.

نعم، الأئمّة ينبغي لهم أن ينأوا بأنفسهم عن السياسة الحزبية، وبالمساجد عن الترويج للخطابات والمشاريع والآراء والاختيارات البشرية، التي تنشد المصالح الشخصية والفئوية، أيا كان مصدرها، فوقية كانت أم جانبية أم تحتية: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ }.

ولكن من حقّ الأئمّة أن يتساءلوا: كيف يُسمح للصحفيين والسياسيين- على تباين مستوياتهم وتشعّب مشاربهم- بالخوض في قضايا الشأن العامّ، من دون أن يكون لكثير منهم من العلم والحكمة ما يمكّنهم من قول ما يناسب في الوقت المناسب، كيف يسمح للصحفيين والسياسيين بهذا، ويحرم منه الأئمّة، ويطالَبوا برفع شعار “لا سياسة في الدّين، ولا دين في السياسة”، وينأوا بأنفسهم عن الخوض في السياسة، لأنّ من الكياسة ترك السياسة، فهي نوع من النّجاسة، يجب التطهّر منها بالصابون و”الكيّاسة”، إلا أن يأذن أصحاب الرياسة؟! كيف يحرم الأئمّة من الخوض في السياسة الشّرعية، وهم الذين يفترض في حقّهم أن يكونوا أخبر النّاس بواقع النّاس، وأحرص النّاس على دين الأمّة ودنياها، وأصدقهم في نصحها وابتغاء الخير لها، وأبعدهم عن أن يكونوا وقودا لفتن يُعرف أولها ولا يعرف آخرها.

من حقّ بل من واجب الأئمّة أن يخوضوا في قضايا الشّأن العامّ، وأن يمارسوا السياسة الشّرعية، ويقوموا بواجبهم في إصلاح الراعي والرعية، ويجتهدوا في إيجاد الحلول لنوازل الأمور، فلا دين بلا سياسة، ولا سياسة بلا دين.

نعم الأئمّة بشر ككلّ البشر، ومن واجب النقابة التي تمثّلهم أن تدافع عن حقوقهم الاجتماعية والمادية، ولكنّه من المعيب أن تكون المطالب المادية هدفَها الأوّل والأخير، وتنسى الحقوق المعنوية للصّفوة المنسية.

من واجب النقابة أن تدافع عن جيب الإمام، ولكنّ الأوجب في حقّها أن تدافع عن لسانه، وتدافع عن حقه وواجبه في قول كلمة الحقّ من دون أن يحسب حسابا للآذان التي تسجّل كلماته وهمساته، وتتطلّع إلى معرفة مكنوناته.

من واجب النّقابة أن تسعى إلى استعادة مكانة الإمام كقائد للأمّة وموجّه لها، يتساوى أمامه الحاكم والمحكوم في التّعليم والأمر والزّجر، وتجعل للإمام وزنا يحسب له ألف حساب، وترفع قطاع الشّؤون الدينيّة إلى مصافّ القطاعات المهمّة المؤثّرة في الواقع والمستقبل بإذن الله.

 

المأمول من الأئمّة ومن نقابتهم

الأئمّة هم الفئة الوحيدة التي لا زالت تحظى بشيء من ثقة المجتمع، ولا يليق أبدا أن يُزرى بهم أمام النّاس بما يجعلهم يفقدون الثقة في فرسان المنابر.

لا يليق أبدا أن يُزرى بالأئمة ويُمنعوا أداءَ رسالتهم في إصلاح الراعي والرعية، ويحوّلوا إلى صحفيين يكلّفون بتبليغ خطابات هذا الطّرف أو ذاك، وتنشَر التعليمات الموجّهة إليهم على صفحات الجرائد وفي وسائل الإعلام قبل أن تصل إلى أيديهم، ثمّ تنشر رسائل التّهديد والوعيد والمتابعة في حقّهم دون مراعاة لخصوصية مكانتهم.

نعم من واجب الجهات المسؤولة أن تحرص على انضباط الأئمّة وعلى ولائهم لدينهم أولا ولوطنهم ثانيا، خاصّة وأنّ بين الأئمّة من يتّخذون في بعض الأحيان مواقف شاذّة استنادا إلى آراء تقبل الأخذ والردّ، ولكنّ هذا الحرص ينبغي أن يترجم واقعا عبر القنوات الخاصّة، وأن يكون الهدف منه هو جعل الأئمة يستشعرون الرقابة الإلهية قبل الرقابة البشرية، ويبادرون من تلقاء أنفسهم بكلّ عمل فيه مصلحة الدّين والأمّة والوطن، من دون أن ينتظروا تعليمات من هنا أو هناك.

وفي انتظار أن تتفطّن النقابة لإدراج هذا المطلب في قائمة الحقوق المعنوية للأئمة، والتي ينبغي أن تكون على رأس أولوياتها، نتمنّى لأئمّتنا وتاج رؤوسنا أن يحذروا الانسياقَ لاتخاذ مواقف تجعلهم وقودا لفتنة تؤدي إلى الفرقة في أوساط المجتمع، ونتمنّى لمسؤولينا أن يعيدوا النّظر في الدّور المنوط بالأئمّة، وأن يسعوا إلى الارتقاء بهم إلى مكانتهم التي كانت لهم، ويسمعوا نبض المجتمع وآلامه وآماله من ألسنتهم الصّادقة، المتطهّرة من النّفاق والمداهنة، بدل استغلالهم في إيصال خطابات وخيارات قد لا تلقى الإجماع، إلى مجتمع يريد من يُسمعه صوت الحقّ، ويوصل صوته إلى المسؤولين بصدق ورفق، بعيدا عن التهييج والتهريج والنّزق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • الياس

    بما ان غلام الله هو وزير الشؤون الدينية فالجزائر ليست بخير

  • جزائري

    ليس كلّ الأئمّة على ما ذكرت أخي.. فهناك أئمة يعطون الإمامة حقها، ويسعون ليكونوا قدوات صالحة في المجتمع، ولكننا معشر الجزائريين مرضى بثقافة التعميم، فلو أن إماما من مئات الآلاف من الأئمّة ضعفت نفسه، وأخطأ في أمر ما، فإن المجتمع سيقول: الأئمّة يفعلون ويفعلون.
    محنة الأئمة الكبرى تكمن في أنهم لا يملكون الحرية ليقولوا ما يجب قوله، وأصبح المجتمع لا ينتظر منهم الكثير، وبالتالي تدنت مكانتهم المجتمعية.

  • محمد ب

    أعطت ثقافتنا لمن يتصدر صفوف صلواتنا اسم الإمام لكننا لم نحافظ على الشروط التي يجب اعتمادها في ‏تعيين هؤلاء. من هنا اختارت الإدارة قوانين لتوظيفهم لا دخل للأخلاق فيها.لذلك اجتمع ضمن هذه الفئة مثلما ‏نجده في جميع القطاعات أنواعا شتى من البشر لا ميزة سلوكية لهم سوى أنهم يقيمون الصلوات الخمس.لكن دون ‏أن نبرئ هذا القطاع من أخطاءه تمنينا لو أن كل النقابات مهما كانت حرفتها امتنعت عن الخوض علنا في شؤون ‏لا تهمها واكتفت بترقية المنتسبين إليها.لكننا نشهد الجميع متعطشا إلى السيطرة على دولة غاب عنها العقل.