الرأي

نكبة الفلسطينيين بمسارات ومسيرات عبثية

حبيب راشدين
  • 1072
  • 5

بالمقاييس السياسية والعسكرية وحتى الأخلاقية والشرعية، يحق لمن تابع المذبحة التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة طوال هذا الشهر، وتحديدا يومي أمس وأمس الأول، يحق له ألا يكتفي بعبارات التنديد بهذه البربرية الفاشية من قبل الكيان الخزري الصهيوني المجرم، أو يبرِّئ ذمته بشجب هذه المدنية الغربية الآثمة، وقد توافق حكامُها ونخبها وإعلامها على وصف المذابح بـ”ممارسة الحق في الدفاع عن النفس؟!”، لأننا قد خبرنا هذا الخطاب الكريه منذ سبعين سنة، في الأيام الأولى من بداية النكبة، وجربنا المجرب منه ألف مرة.
قد يطلع علينا من يحاول جبر الخاطر، بتوجيه بوصلة الغضب نحو القادة العرب وخياناتهم المفضوحة للقضية، وهم كذلك، ثم ماذا بعد؟ هل ما يزال الفلسطينيون يعوِّلون على خونة فاسدين عاجزين حتى عن حماية أنفسهم، ودولهم، وشعوبهم، يشترون أمنهم الخاص وأمن عروشهم بمليارات الدولارات، وحال سيادة دولهم ـ بعد النظرـ هي دون ما منحه الاحتلال لسلطة عباس؟
أم يعوِّل الفلسطيني على بقية الدول الإسلامية، وقد رأينا حاكم تركيا يبيعهم الوهمَ بكلمات شجب عالية النبرة، فيما يصر هو ومصر والأردن وغيرهم على إبقاء سفارات بلدانهم مفتوحة بكامل صلاحيات التمثيل؟ أم يعوِّلون على محمد 6 بعد أن ورَّثته منظمة التعاون الإسلامي رئاسةَ لجنة القدس لخلافة صاحب الجلالة العلوي الذي باع أسرار العرب للموساد، وسلَّم القدس مع رفيق دربه في الخيانة حسين الأردن للصهاينة؟
أم تذهب به الحماقة إلى حد التعويل على بقايا عوالق من الأخُوَّة الإنسانية عند هذه المدنية المدمنة على الدماء، وقد رأيناها تبارك ذبح الجزائريين في مثل هذا الشهر، في السنة التي حلت بالفلسطينيين النكبة، وقال إعلامُها وقتها ما يقوله اليوم حيال مذابح غزة “حق شرعي في الدفاع عن النفس؟!” وقتها استوعب الجزائريون الدرس، وأيقنوا أن تحرير الأرض لا يكون بـ”مسيرات عبثية” يُقدَّم فيها الأبرياء للذبح بصدور عارية، وعلموا “أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”.
لم تكن صواريخ القسام عبثية كما قال المرجفة من الحكام العرب، بل العبث كل العبث أن يقاد الشباب والطفل الفلسطيني إلى مسيرات بلا مخالب، تحولت إلى مشاهد قنص يتندَّر بها عساكرُ الكيان الصهيوني على “يوتوب” ولا يلتفت أحدٌ من هذه المدنية إلى ما تعنيه من احتقار منكر للدم الفلسطيني، والعبثية أن تتمسك الفصائل بسلطة خرقاء على قطعة أرض محاصَرة من الاتجاهات الأربع، من العدو ومن الشقيق، والعبثية أن يقبل الفلسطينيون ببقاء سلطة أوسلو دقيقة إضافية واحدة، وهي التي غطت على الكيان التهامه للأرض بمسار تفاوضي عبثي، وبشرطة دايتن المقاولة من الباطن لتنفيذ الأعمال القذرة، وتجريد الفلسطيني من الروح القتالية، والعبثية أن تنكس رايات الجهاد، ويكسد سوق الطلب لإحدى الحسنيين، فترفع رايات الدجل على الشعب الفلسطيني بسلطة ليس لها سلطة، أو بإمارة ولو على الحجارة..
قد نتفهم أحكام الفارق في القوة، وقلة الحيلة وضعف الوسيلة، وهوان الفلسطينيين على الناس، فلا يطالبهم أحدٌ بأكثر من إبقاء القضية حية، بإغلاق مسارات التسوية العبثية، وتنشئة الذرية على التمسك بالحق في العودة، وتحرير الأرض كل الأرض على يد هذا الجيل أو الجيل الذي يليه، وما ضاع حق وراءه مطالب.

مقالات ذات صلة