-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نهاية “ماكدو” وانتصار “تشيكوف”!

نهاية “ماكدو” وانتصار “تشيكوف”!

افتُتِح أول مطعم لسلسلة “ماكدونالدز” الأمريكية للإطعام السريع بساحة “بوتشكين” بالعاصمة موسكو يوم 31 جانفي 1990، واستقبل في يومه الأول 30 ألف زبون، واعتُبر ذلك رمزا لانتصار الرأسمالية على الشيوعية وبداية قوية لانفتاح روسيا على الغرب، ولنهاية الحرب الباردة، ودخول هذا الجزء الكبير من العالم الشرقي إلى صف الحضارة الغربية. كانت بداية استهلاك أول لُمجَة أمريكية من نوع “البرغر” بمثابة بداية الدخول في نمط الحياة الغربية، بما يتبعها من “كوكا كولا” وسراويل “جينز” والموسيقى المرافقة لكل ذلك. وتحدّث الكثير عن انتصار نهائي للديمقراطية الليبرالية على باقي النظريات، وكتب “فوكو ياما” كتابا، اُعتبر “إنجيل الغرب”، في هذا الإطار، هو “نهاية التاريخ”.

لم يكن أحدٌ يتصوَّر أنه بعد أكثر من ثلاثين سنة بقليل، ستبيع “ماكدونالدز” شركاتها لرجل أعمال روسي اسمه “السكندر غوفور”، وستُغادر هذا البلد إلى غير رجعة، تنفيذا لما قرّره الساسة من عقوبات على روسيا، وهي التي زعمت في قوانينها الداخلية أنها لا تمارس السياسة بتاتا!… وفي الوقت ذاته ستحل محلها شركة روسية بديلة تمحو شعارها وتستبدله بآخر أكثر ارتباطا بالثقافة والوطنية الروسية. وفي نفس ساحة “بوشكين” التي دشنت بها السلسلة الأمريكية أولى مطاعمها اصطف يوم الأحد الماضي الآلاف من الروس هذه المرة لاستهلاك طعام آخر اسمه بالروسية “لذيذ وكفى” (بْنين وخلاص بالجزائرية) بديلا عن الماكدو العالمي. وتنتصر شركة العم فانيا التي اشترت المطاعم الغربية (العم فانيا عنوان المسرحية الشهيرة للكاتب الروسي أنطون تشيكوف) على شركة العمّ سام الذي اعتقد أنه سيعاقبهم بمنع طعامه عنه…

دلالة هذا أن روسيا اليوم لن تكتفي بالاستغناء عن الشركات الغربية التي غادرتها تنفيذا لقرارات سياسية تحت عنوان العقوبات، بل ستعوِّضها بما هو أفضل، ليس فقط في مجال الإطعام، بل في مختلف المجالات. ومن شأن ذلك أن يعزِّز القوة الوطنية لهذه الدولة ويُمكِّنها من توفير ما يلزم للعيش خارج نطاق الإنتاج الغربي ودون العلامات التجارية الرأسمالية المعروفة. ستعوِّض شركة الإطعام الروسية الجديدة التي خلفت “ماكدونالدز” مشروبات “كوكا كولا” وما تبعها من مثلجات بمشروبات ومثلجات محلية، وستستغني تبعا لذلك عن مشروبات وقهوة “ستاربكس”، و”بيبسي كولا”، وغيرها من العلامات الغربية الأخرى، كما ستستغني عن سلاسل إطعام مُمَاثلة لـ”ماكدونالدز” كـ”دجاج كنتاكي”، و”برغر كينغ”، إن بقي اصطفافُها إلى جانب العقوبات الغربية فضلا عن استغنائها على شركات الملابس العالمية مثل “زارا” و”أديداس” و”مانغو” وHM… الخ.

ونجاحُ روسيا في هذا المجال ليس سوى رمزي، بالمقارنة مع نجاحها في تعويض الغرب في المجالات الأكثر أهمية التي كان مهيمنا عليها وخاصة تلك التي لا علاقة بالتكنولوجيا المتقدمة وبالشبكات العالمية مثل “ميتا” فيسبوك وتويتر اللتين استبدلتهما بتطبيق VK.COM (فكونتاكتي)، واستنغرام التي استبدلتها بتطبيق بروسغرام. وبنفس الاتجاه تعمل بخصوص الصناعة والإنتاج (سيارات، طائرات، ماكنات…). ولن تتمكن من الانتصار في كافة هذه الجبهات دفعة واحدة، ولكنَّها بكل تأكيد ستُحقق تدريجيا ذلك، خاصة وأنَّ حليفتها الصين أثبتت تفوقها على الغرب في كافة المجالات، وأصبح بإمكانها الاستغناء عن كل ما لديه، من التكنولوجيا إلى الغذاء.

ويقدِّم لنا هذا درسا ينبغي استيعابُه: بإمكاننا أن نكون إذا أردنا، وبإمكاننا استعادة أمجادنا وقوتنا ومأكلنا وملبسنا إذا أردنا. الغرب لم ينتصر إلى غير رجعة كما يُروِّج لنفسه، ونحن لسنا منهزمين كلية كما يدعي أذنابه، إنما هي الحياة تدافُعٌ وتدافُعٌ مستمر، علينا أن نختار خلاله بين الخنوع والاستسلام، أو المقاومة والانتصار، من أبسط معارك؛ معارك محلَّات الإطعام السريع إلى أكبرها في مجالي العلوم والتكنولوجيا. وقد قدَّم لنا الروس دليلا على إمكانية تحقيق ذلك. لنفتح أمامنا باب الأمل واسعا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نسومر الأوراس

    مشكلنا نحن أننا نعادي كل ما هو و أصيل في هذه الأرض ونريد أن نجعل بلادنا ذيلا للمشرق الجاهل ... لذلك لا يمكن أن نفعل مثل فعل الروس الذين يعتزون بأصالتهم وثقافة بلادهم ...