-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نوفمبر

عابد شارف
  • 4899
  • 0
نوفمبر

ماذا حدث في الجزائر سنة 2008، في الأيام القليلة قبل الاحتفال بذكرى أول نوفمبر، ذكرى اندلاع الثورة التحريرية؟

  • حدث أن جرائد ذات نفوذ كبير في البلاد، نشرت سلسلة من المقالات حول ما يسمى بالمجاهدين المزيّفين، ونشرت أقوال رجل أعطى رقما دقيقا حول عددهم، حيث قال إن هناك 12.000 جزائري تحصلوا على صفة المجاهد وما يتبع ذلك من مزايا بطريقة غير شرعية. وأطال الرجل الكلام، ووجد في الصحافة آذانا صاغية لتنقل كلامه إلى كل الجزائريين، حتى يكونوا على يقين أن كلمة »مجاهد« ستبقى إلى الأبد مرتبطة بكلمة »مزيّف«…
  • وحدث كذلك أن رجلا لا تُعرَف له بطولات أثناء ثورة التحرير، عاد إلى الوجود مرة أخرى ليتكلم عن المجاهدين المزيّفين. وقال الرجل إنه يندد بهم منذ عهد طويل، واتهم هؤلاء قائلا إنهم وصلوا إلى رتبة كبيرة في هرم السلطة الجزائرية، وأنهم قد يكونون وراء الانهيار الذي تعيشه البلاد. ونشرت الجرائد كلامه مرة أخرى، مع العلم أن الرجل صنع لنفسه حياة سياسية في التنديد بالمجاهدين المزيفين دون أن يذكر له أحد عملا ما مع المجاهدين الحقيقيين.
  • وحدث من جهة أخرى أن إحدى أكبر الشركات التي تقوم بتسويق السيارات في الجزائر نشرت إعلانا حول أسعار سياراتها، وركزت بصفة خاصة على السعر المخصص للمجاهدين، حتى يعرف العام والخاص أن المجاهدين في الجزائر أصحاب مزايا، وأنهم يتمتعون بأسعار خاصة تختلف عن الأسعار المفروضة على باقي الجزائريين. وبطبيعة الحال، فإن المجاهدين لا يدفعون الغرامة التي أقرتها الحكومة على السيارات الجديدة.
  • وحدث أن نائبا في البرلمان الجزائري، وهو ابن شهيد، تكلم عن العائلة الثورية، وأثار جدالا، وطعن في عدد من المجاهدين، عن حق أو عن باطل، وهذا ليس مهمّا. وقال إن الرقم الرمزي الذي تعرف به الجزائر، كبلد المليون ونصف شهيد، هو رقم خيالي لا أساس له من الصحة، ودخل في حسابات بدائية ليبرهن أن هذا الرقم غير معقول.
  • وحدث أن نفس الشخص اتهم أحد قادة الثورة البارزين، وهو عبد الحفيظ بوصوف، حيث قال عنه إنه مسؤول عن اغتيال عقيدين كانا يشغلان مناصب أساسية كقادة لولايتين، ويتعلق الأمر بالعقيد عميروش وسي الحواس… وصدرت هذه الأقوال، ولم تجد بطبيعة الحال من يؤكدها، ولم تجد حتى من يكذّبها، لأن الأمر بلغ درجة من التعفّن إلى أن رفض الكل التطرق إلى هذا الموضوع، حيث لا يخرج سالما من دخل هذه المستنقعات.
  • حدث كل هذا، وأشياء أخرى كثيرة في الجزائر، عشية الاحتفال بذكرى اندلاع ثورة نوفمبر. ومرة أخرى، تأكد أن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يفعل العدو في عدوه. فكان من الطبيعي أن يحاول النظام الاستعماري أن يبرئ ذمته، ويدافع عن أخطائه وجرائمه. وكان من الطبيعي أن يحاول ورثة النظام الاستعماري أن يمجّدوا أفعال من سبقوهم، ويصنعوا لهم تاجا ويبنوا لهم قصورا… وحاولوا تكريس ذلك من خلال قانون 23 فيفري الذي يمجد الاستعمار.
  • لكن لم يكن في الحسبان أن الجزائر ستقوم يوما بتحطيم أمجادها، وتدخل في جدال عقيم هدام يوم الاحتفال بذكرى أول نوفمبر. لم يكن في الحسبان أن الذين صنعوا التاريخ، وبنوه حجر بعد حجر، وقطرة دم بعد قطرة، وشهيدا بعد شهيد، لم يكن في الحسبان أنهم سيأتون يوما في ذكرى أمجادهم، لينسوا كبرياءهم، وتضحياتهم، وتضحيات أجدادهم، ورموز شهدائهم، لم يكن في الحسبان أنهم سينسون كل هذا ليتكلموا عن الغنيمة، وكيف تم اقتسامها، ومن حصل على أكبر حصة، ومن بقي على حافة الطريق يوم اقتسام الغنيمة… لم يكن في الحسبان أن الجهاد سيتحول إلى منصب، وأن النضال سيتحول إلى ثروة…
  • وإن كان لابد من الانحطاط والانهيار، ولابد من تحطيم الأمجاد من أجل اقتسام الغنيمة، فخذوا كل شيء، خذوا المال والمجد والجاه، خذوا الجواري والغلمان والعبودية، خذوا القصور والواحات وآبار النفط، خذوا كل شيء واتركوا نوفمبر… ارفعوا أيديكم عن نوفمبر.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!