-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ابن أخيه مات شهيدا والعربي التبسي قُتل بطريقة بشعة

هذا ما قدمه ابن باديس للجزائر حيّا وميتا

ناصر. ب
  • 595
  • 0
هذا ما قدمه ابن باديس للجزائر حيّا وميتا
أرشيف

لا يمكن أن نحتفي بذكرى استرجاع الجزائر لحريتها، من دون أن نذكر عظماءها وثوراتها جميعا بما فيها الفكرية والعلمية، وأهمها ثورة النهضة التي أطلقها الشيخ بن باديس، الذي وهب حياته للجزائر وكافح بطريقته الخاصة، وورّث جهاده لابن أخيه، وهو الطبيب عبد السلام ابن أخ الشيخ عبد الحميد، المدعو المحمود الذي صاحب المجاهد بن يوسف بن خدة واستشهد عام 1960، في الحدود التونسية، ويطلق على المستشفى الجامعي بقسنطينة اسمه، كما أن رفيق درب الشيخ العلامة بن باديس، الشيخ العربي التبسي سقط في ساحة القتال عام 1957، عندما اختطفته منظمة الجيش السري من بيته في بلكور بالعاصمة، وتم قتله بطريقة بشعة، وما زال قبره مجهولا لحد الآن.
الشروق اليومي سألت شقيق الشيخ التبسي، عبد العزيز فرحات عن المجاهد الشهيد فقال لنا: استشهاد الشيخ التبسي أحد أعمدة جمعية العلماء المسلمين ومؤبن بن باديس هو لغز عجزنا عن حله، رغم مرور أكثر من ستين سنة، بالتأكيد الجواب عند الفرنسيين، الشيخ اختطف من مسجد العقيبة بالجزائر العاصمة، وبالضبط على الساعة منتصف الليل في الرابع من أفريل 1957 من طرف جنود الجنرال ماسي، وهذا الجنرال كان معروفا ببطشه، فقد عانى الشيخ منذ اندلاع الثورة من الاستجوابات والمتابعات، ولكن بمجرد قدوم هذا الجنرال صار يطالب بالحزم والإعدام المباشر مع كل رجالات الثورة، خاصة أن الجنرال ماسي شارك في حرب الهند الصينية وتورّط في أعمال دموية وإرهابية.
قام المختطفون بإلباس أخي لباسا عسكريا فرنسيا وواقي الدماغ وألبسوه سروال ابنه لمين ووضعوه في سيارة عسكرية وسط أربعة جنود حتى لا يعرفه أحد، كان حينها قد جاوز سن السابعة والستين وكان مريضا أيضا، ومن ذلك اليوم اختفت أخباره نهائيا.
منذ ذلك الحين ونحن نبحث عن فك هذه الطلاسم، والروايات تزدحم ولا تتوقف، لقد قالوا في زمن الثورة إنهم رموه في البحر بالعاصمة، أو رموه من الطائرة كما فعل الطليان بعمر المختار، وقالوا إنهم دفنوه حيّا تحت الزفت الساخن، وقال بعض مساجين البرواڤية بولاية البليدة، إنه تعرض للتعذيب وشاهدوا دمه متناثرا من الخلية التي كان فيها، كما سمعنا أنه نقل إلى فرنسا في محاولة لجعله بيد الاستعمار، وعندما رفض أعدموه، ابنه الأكبر لمين سافر إلى باريس، وتمكن من مقابلة الجنرال ديغول قبل الاستقلال، وسأله عن مصير والده، وتلقى وعدا شفويا من الجنرال الفرنسي، بأن يقدّم له كل التفاصيل عن اختفاء الشيخ، ومات الجنرال ودفن معه لغز الشيخ العربي التبسي الذي أبان بأنه على طريق سيد المجاهدين عبد الحميد بن باديس.
وهناك دراسة قدمها الدكتور المؤرخ عبد العزيز فيلالي من جامعة منتوري بقسنطينة، وهو رئيس مؤسسة الشيخ بن باديس بعنوان الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس أصالة وفكر سياسي ثوري، تقدم الحقيقة المثيرة الناصعة التي ظلّت بعيدة عن الكتب وعن رجال الثورة المعاصرين، قدّم فيها بالدليل القاطع دعوة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، علماء الأمة في اجتماع بهم عام 1928 قبل تأسيس جمعية العلماء المسلمين للثورة على الاستعمار، وهذا الخطاب موجود في مذكرات العالم الشيخ محمد خير الدين الذي ولد عام 1893 وهو أحد العلماء الذين عاصروا العلامة بن باديس وكان نبراس علم كما كان الشيخ بن باديس، وكان شاهد عيان على هذا الخطاب الشجاع.
وجمع الشيخ بن باديس في مقر صحيفة الشهاب بقسنطينة العلماء القادمين من شتى المناطق الجزائرية، وكانوا بصدد التحضير لتأسيس جمعية العلماء المسلمين وخاطبهم بالقول: “والآن أيها العلماء قد شاء الله أن يهيئكم، ويدخركم لهذا الظرف لتتحمّلوا مسؤوليتكم بكل شجاعة وتضحية، وإن يومكم هذا شبيه بذلك اليوم الذي وقف فيه البطل الأسطوري طارق بن زياد خطيبا في جيش المجاهدين على ربوة جبل طارق، بعد أن أحرق سفنهم، التي حملتهم إلى الجهاد في الأندلس، وقال قولته المشهورة: أيها الناس أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو من أمامكم وليس لكم غير الموت أو النصر. ثم اختتم بن باديس خطابه الذي عمره الآن قرابة القرن قائلا: “وأنا أقول لكم في هذا اليوم لم يبق لنا إلا أحد الأمرين لا ثالث لهما، إما الموت أو الشهادة في سبيل الله، منتظرين النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين، أو الاستسلام ومدّ أيدينا في الأغلال، وانحناء رؤوسنا أمام الأعداء، فتكون النتيجة لا قدّر الله أن تجري علينا ما جرى ببلادنا الأندلس” وهذا الخطاب المجهول لدى الجزائريين مدوّن في مذكرات الشيخ محمد خير الدين التي نشرتها مطبعة دحلب بالجزائر العاصمة، ويمكن قراءة الخطاب في الصفحة 85 من شاهد على ثورية إمام الأمة عبر العصور. لا جدال في أن هذا الخطاب الهام والذي يقول فيه الشيخ بصريح العبارة “لم يبق لنا إلا أحد الأمرين،لا ثالث لهما إما الموت أو الشهادة في سبيل الله” الذي يبعد الشيخ بن باديس ورجالات جمعية العلماء الذين كانوا حاضرين عام 1928 وهم محمد البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك الميلي والشيخ الطيب العقبي والشهيد العربي التبسي والشيخ السعيد الزاهري والشيخ محمد خير الدين الذي نقل الخطاب في مذكراته، أكيد أنه سيبعدهم عن شبهات الإدماج التي حاول الزنادقة والحاقدين إلصاقها بهم، ولكن ورغم أن الخطاب الهام الذي هو شرارة ثورة مباشرة اندلعت قبل 26 سنة عن الثورة الكبرى ما زال مخفيا وبعيدا عن أسماع وأنظار الجزائريين لرجل عندما جمع العلماء قال كلمة خالدة “لو اتحد العلماء على حقهم كما اتحد غيرهم على باطلهم لسعدت الأمة ونجت من بلاء كبير”.
لم ينعم الشيخ بن باديس بالولد، وحتى ابنه الوحيد إسماعيل عبده توفي في سن السادسة عشرة، فكان الشيخ يربي أبناء إخوته، ومنهم ابن شقيقه المولود والمسمى عبد السلام لخضر، الذي تشبع بفكر عبد الحميد العلامة، وواصل دراسته وتمكن من نيل شهادة طبيب مختص في طب العيون، وكان الشيخ ينتقد تأثر إبن أخيه بالفرنسيين لأنه درس في الكليات الفرنسية، ومما رواه لنا الأستاذ عبد الحق شقيق الشيخ والبالغ حاليا من العمر 102 سنة، هو أن الشيخ عبد الحميد شاهد مرّة عبد السلام لخضر يرتدي القبعة الفرنسية أو ما يسمى بالبيري، فانتزعها من فوق رأسه وراح يدوسها بقدمه، وهو ما أثر في حياة الدكتور لخضر عبد السلام، الذي حزن على عمه عندما توفي عام 1940 وسار على نهجه، وعندما اندلعت الثورة انضم إليها، وصاحب المجاهد بن يوسف بن خدة الذي كان يقول له أنه يشرّف عمه العلامة الكبير، وفي عام 1960 قاد إضرابات الطلبة الجزائريين في الجزائر وفي فرنسا، وبينما اشتد المرض بوالده شقيق الشيخ السيد المولود، كانت فرنسا تبحث عن ابنه عبد السلام لخضر الذي طلّق الطب نهائيا واختصاص أمراض العيون، ودخل الجهاد المسلح إلى أن استشهد على الحدود الشرقية، فمات أقرب الشباب إلى قلب المجاهد بن باديس شهيدا، ومات أقرب رفيق إلى قلب بن باديس شهيدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!