الرأي

هذا هو “إسلام فرنسا”!

حسين لقرع
  • 1979
  • 10

بعد يومين فقط من غلق عدد من الأقسام الدراسية بمسجد عمر بن الخطاب بباريس، وحرمان عشرات التلاميذ المسلمين من تلقي دروس باللغة العربية، قرّرت فرنسا يوم السبت 20 أفريل، وباسم “حقوق الحيوان”، منع مسلميها من ذبح الدواجن على الطريقة الإسلامية ابتداءً من 1 جويلية القادم، في انتظار صدور قرار آخر لاحقاً يخصّ ذبح المواشي، ومن ثمّة، حظر ما يُسمى “اللحم الحلال” على أراضيها!

هذه القرارات التعسّفية المتسارعة تؤكّد أنّ فرنسا لم تتراجع قيد أنملة عن حربها على الإسلام، والتي أخرجتها إلى العلن منذ بضعة أشهر، من خلال تأييد الرئيس إيمانويل ماكرون نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بذريعة “حرية التعبير”، وقيام هيئات فرنسية رسمية عديدة بإعادة نشرها على جدرانها إمعانا في استفزاز مسلمي فرنسا وإهانتهم، ثم إصدار قانون مكافحة “الإنعزالية الإسلامية” الذي يتضمّن مجموعة من التدابير الرامية إلى تضييق الخناق على مسلميها وتشديد الرقابة عليهم وعلى مساجدهم وجمعياتهم وما ينشرونه في الأنترنت، بل إن وزير داخليتها جيرالد دارمانين افتخر بأنه أغلق 12 مسجدا خلال مدة لا تتعدى شهرا ونصف شهر!

وبمنع مسلميها من ذبح دواجنهم طبقا للشريعة، في خطوةٍ أولى ستُتبع حتما في الأشهر القادمة بحظر ذبح المواشي بالطريقة ذاتها، تكون فرنسا قد خطت خطوة أخرى نحو معاداة الإسلام ورعاية موجة كراهيته ومحاربته رسميا، وهي المرّة الأولى التي يحدث فيها ذلك في بلدٍ غربي، بعد أن كانت الأحزابُ اليمينية المتطرّفة هي التي ترعى وحدها الإسلاموفوبيا.

وبهذه الخطوة أيضا، تكون فرنسا قد تراجعت خطوة إضافية إلى الخلف على صعيد التنكّر لمبادئها العلمانية والديمقراطية التي تقرّ الحرياتِ الفردية والجماعية، ومنها حرية ممارسة الشعائر الدينية، لمواطنيها جميعا، بغضّ النظر عن أديانهم ومعتقداتهم وأعراقهم.. الآن اتّضح أنّ فرنسا تستهدف المسلمين حصرا، وتضيّق عليهم الخناق وتحاول إرغامهم على التنكّر لمبادئ دينهم والعيش على الطريقة الغربية، وإلا ما معنى أن تُجبر فتاةٌ متحجبة على نزع خمارها في مؤسسة عمومية غير إرغامها على التعرّي والسفور؟ وما معنى حرمان المسلمين من ذبح دواجنهم ومواشيهم وفقا للشريعة غير إجبارهم على مخالفة دينهم بأكل الجيفة؟ وإذا قاطعوا أكل اللحوم طيلة السنة واكتفوا باستهلاك السمك، فكيف يتصّرفون خلال عيد الأضحى؟

إنّه “إسلامُ فرنسا” الذي بشّر به ماكرون منذ أشهر، وقال إنه سيسعى إلى تكريسه ببلده لينسجم مع علمانيتها، مع أنّ العلمانية في أبسط تعاريفها هي فصل الدين عن الدولة وعدم التدخّل الرسمي في شؤون الأديان ورعايتها على قدم المساواة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وليس إجبار الآخرين على العيش مثلك ولو خالفوا دينهم، أليس هذا قمعا ومصادرة سافرة لحريات الآخرين؟

الملايينُ من مسلمي فرنسا مقبلون إذن على أيام عصيبة ستشهد المزيد من التضييق على حرياتهم ومراقبة حركاتهم وسكناتهم، سيكون هناك المزيد من التدابير التي ستضيّق عليهم الخناق، وابتداءً من سنة 2024 لن يكون هناك أمامٌ ذو أصل جزائري أو مغربي أو تركي يصلّي بهم ويفقّههم في شؤون دينهم وفق ما أقرّه الله ورسولُه، بل سيكون هناك “أئمّة” فرنسيون متخرّجون من معهد فرنسي بحت بعد أن يُلقَّنوا “إسلامَ فرنسا” الذي “ينسجم مع علمانيتها”، وربما يبيح لهم الشذوذ وشتى المنكرات…

الآن لم يعُد أمام مسلمي فرنسا، ومنهم ملايين الجزائريين، خيارٌ سوى تنظيم أنفسهم لمقاومة هذه السلسلة من الإجراءات القهرية القمعية بشتى السُّبل السلمية، لقد أعلن ماكرون حربا سافرة على دينهم وهو يحاول حملهم على التخلي عنه تدريجيا والعيش على الطريقة الغربية، وليس لهم خيار إلا مقاومة هذا التسلّط والعنصرية والاستعباد.

مقالات ذات صلة