الرأي

هذه بعض سموم لجان برامج بن غبريط!

منذ أكثر من قرن والمستلبون القائمون على منظومتنا التعليمية والتكوينية والتربوية في العالمين العربي والإسلامي يسعون جاهدين لتبني  وتعميم وتطبيق كل ما يرِد من الغرب من نظريات تعليمية وتربوية وغيرها، ومقابل ذلك يرون رأي السوء في منظومتنا التعليمية والتربوية العربية الإسلامية التي عمّرت أكثر من ألف وأربعمائة سنة من التنمية والنهضة والحضارة، ويخصّصونها -بالرغم من نجاحاتها- بنظرة دونية وانسلاخية وعدوانية واستنقاصية مستتبعة.. ويتهمونها –بغير علم وفقه وفهم وحياد- على أنها مجرد نظرية تعتمد على الحفظ والتلقين والتكديس والتجميع للمعارف والعلوم والخبرات فقط، وأنها مجرد عملية حشو ذهن التلاميذ بالمحفوظات والأمالي والأضاميم.. ناسين أو متناسين أو ربما ذاهلين بانبهار وخضوع لنظرية الاستتباع.. ما لملكة الحفظ من تحفيز وقدح وتنوير ودفع وتفتيق للقدرات وللمواهب الاقتدارية والنفسية والعقلية الكامنة في النفس البشرية.. وأن الإنسان لا يساوي شيئا بغير معارف ومحفوظات ومعارف معجمية ودينية ثابتة يروز بها الصالح والطالح في الحياة والناس..

وقد أثبتت نتائج الدراسات العلمية الغربية الميدانية الحديثة جدا التي قامت في بعض الدول الاسكندنافية والتي أُجريت على الآلاف من أطفال الصومال الأيتام دون سن الخامس عشرة من الذين تبنّتهم الكنائس ومجالس ومؤسسات التنصير العالمية بهدف سلخهم أو تنصيرهم، أنهم الأكثر تفوّقا وذكاءً على أقرانهم، ولمعرفة أسباب ذلك التفوق فقد قامت الدراسات الميدانية الدقيقة والمحايدة حول هؤلاء الأطفال مقارنة بغيرهم من الأطفال المهاجرين أو من السكان الأصليين، وبيّنت النتائج وكشفت اشتراكهم جميعا في نفس المتغيرات والعوامل والمؤشرات الأساسية والثانوية والتابعة والمستقلة، عدا متغير تابع ومستقل وهو متغير حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأداء العبادات، وفي ضوئها جاءت النتائج محيِّرة ومربِكة للجهات المعنية ممثلة في دور حفظ القرآن لتنشيط ورفع فاعلية القدرات النفسية والعقلية والذهنية والموهبية والتمكّنية لأطفال الصومال لكي يتفوّقوا على غيرهم من الأطفال المهاجرين أو من سكان البلاد الأصليين.

لقد ظل فصيل أصحاب القرار في وزارتي التربية والتعليم العالي يديرون المشهد التربوي والتعليمي والتكويني العربي الإسلامي بمقتنياتهم ومدخلاتهم التغريبية، وذلك باستجلاب فتوحات النظريات الغربية في علوم التربية وعلم الاجتماع والنفس وفنون التدريس.. على حد ما درسناه في مرحلة الدراسة الجامعية سنوات 1977-1981م على يد الأستاذ الدكتور السوري (خير الله عصار) حفظه الله الذي اعتُمد كنائب لأستاذه الكبير والقدير (محمد فاخر عاقل) (علم النفس التربوي)، ومُذّاك صرنا نسمع عن نظريات المقاربة التربوية والتعليمية بنظرية الانعكاس الشرطي لبافلوف، أو المدرسة الغشتالتية الألمانية، أو مدرسة المحاولة والخطأ، أو مدرسة التعزيز، أو مدرسة الطباع الإيطالية.. وظللنا والأجيال العربية والمسلمة مجرّد حقل تجارب فاشلة للمستلبين والمستتبعين ممن يتولون ويسيّرون أخطر حياض وحصون الأمة العربية المسلمة، والمتمثلة في قطاع التربية والتعليم والتكوين، والذين لا يفتأ بعضهم يستخلف أبعاضه في المناصب الحساسة في أي تغيير وزاري، وليس لهم من هدف سوى الإجهاز على آخر ما تبقى من حصون الممانعة العربية الإسلامية في أخطر مجال حساس تتصدى به الأمة المسلمة الجريحة لجحافل الغزاة المندفعين بقوة لتفكيك عرى الأمة في قوى ومواهب وتوجُّهات وآفاق أبنائها البررة.

وبقدر ما تثخنه موجة النظريات في الأجيال من جراح، وما تنكأه من دماء وقروح عبر عشرية زمنية أو عشريتين، إلاّ أن الله يحمي ويحفظ الكثيرين منهم من العطب والتدمير.. وسرعان ما تتبدَّى نتائج تطبيق النظريات الغربية المستورَدة والفاشلة في تخريج أجيال من المنهكين والمستلبين والمعطوبين والمشوَّهين روحيا ولغويا ودينيا وأخلاقيا وثقافيا، وتنكشف الحقائق الخطيرة التي عاثت بها الأيادي الخفية في مواقع صناعة القرار التربوي، حتى يطلّ علينا المستلبون في دوائر القرار التربوي والتعليمي بموجة أخرى من المقاربات الجاهزة للتطبيق في أبنائنا المترنِّحين بسموم الغرب ونفاياته المميتة، فهذه المقاربة بالأهداف، أو المقاربة بالكفاءات، أو المقاربة بالمضامين، أو المقاربة باللوحات الرقمية،  أو المقاربة بمنصّة التعليم عن بُعد، أو المقاربة باللهجات العامية، أو المقاربة بالحروف الفرنسية لتدريس الرياضيات، أو المقاربة بما نعرفه من نظريات تعليمية مستورَدة، أو بما لا نعرفه مما ينتجه الغرب المادي، هذا الغرب الذي–مذ عرفناه- لا يؤمن بثابت واحد في حياته، سوى ثابت الاستعلاء والاستكبار والهيمنة والسيطرة على العالم العربي والإسلامي وإذلاله وسلخه من محيطه وقيمه ودينه ورسالته الإسلامية الخالدة.. إما بالاستعمار المباشر كسابق عهده، أو بواسطة أزلامه وصنائعه وبيادقه المبثوثين في الدواوين والوزارات ومواقع صناعة القرار في كثير من دول وحكومات ووزارات العالم العربي والإسلامي.

النص يذهب إلى تقديم نبيين من أنبياء الله هما إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، والإشكالية تكمن في التالي: (إن إبراهيم سأل ربَّه أن يُريه  كيف يحيي الموتى، فاستجاب له، وموسى طلب من ربِّه أن يراه، فلم يستجب له، والمطلوب هو: حلل وناقش هل انحاز اللهُ وحابى أحد النبيين؟)، أهذا نصٌّ يُعطى لطلاب عملت فيهم معاولُ التهديم والتغريب والمسخ والتشويه ليزيدهم مسخا وتشويها للذات الإلهية المقدسة.

ولعلّني أنقل إليكم أيها القراء الوطنيون الأعزاء شيئا يسيرا من سموم ونفايات لجان البرامج التعليمية التي اصطفتها الوزيرة السابقة للتربية نورية بن غبريط رمعون لمَّا كانت مسؤولة عن مصير ومستقبل وتكوين ونشأة أبنائنا؛ ففي برنامج العلوم الإسلامية للسنة الثانية ثانوية درسٌ عن السيرة النبوية مأخوذٌ من كتاب الأديب العلماني المأجور (طه حسين 1889-1973م) (على هامش السيرة)، وللملاحظة فكثيرٌ من كتبه أحدثت ضجة في زمانه ككتابه (في الشعر الجاهلي). وفي هذا النص المستلّ من كتاب (على هامش السيرة) يصف (طه حسين) فيه محمدا وكأنه أديبٌ بارع صاحب صنعة أدبية يستعرض نصَّه الأدبي (القرآن الكريم)، ويعيد قراءة ونقد ما كتبه، ثم يكرِّر قراءة وتصحيح نصِّه، ونصُّه المعنيُّ هنا هو القرآن الكريم، ولما رضي عنه في الأخير قرَّر تلاوته في الغد على الناس؟ أهذا نصٌّ تشكيكيٌّ علماني حداثي فتاك يطعن في قداسة الوحي المنزّل من لدنّ المولى تبارك وتعالى على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يُعطى لطلبة زادهم الديني واللغوي قليل؟ وما الفائدة منه عدا كونه يُفسد على التلاميذ صفاء فطرتهم ويخب عليهم عقيدتهم؟

كما توجد في المرحلة الثانوية وضعية إدماجية وضيعة وسفيهة جدا، تتعامل مع الله وكأنه شخصٌ أو مسؤول مشبع بروح الانحياز والمحاباة والمحسوبية، تعالى الله عما يصفون.. والنص يذهب إلى تقديم نبيين من أنبياء الله هما إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، والإشكالية تكمن في التالي: (إن إبراهيم سأل ربَّه أن يريه  كيف يحيي الموتى، فاستجاب له، وموسى طلب من ربِّه أن يراه، فلم يستجب له، والمطلوب هو: حلل وناقش هل انحاز اللهُ وحابى أحد النبيين؟)، أهذا نصٌّ يُعطى لطلاب عملت فيهم معاولُ التهديم والتغريب والمسخ والتشويه ليزيدهم مسخا وتشويها للذات الإلهية المقدسة، ويجرِّئهم على عصمة ومكانة أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام؟

ولكم ندّد ونادى المفتشون المسؤولون عن هذه المادة العديد من المرات ورفعوا التقارير والعرائض للمسؤولين في الوزارة على أن يحذفوا هذه النصوص ويستبدلوها بما يتناسب وعظمة الإسلام وكتابه الكريم وسنة نبيِّه وعظمة ومكانة لغته في العالمين، ولكن لم تستجب الوزارة لشكاويهم قط.

وإليكم أيُّها القراء الأعزاء ثالثة الأثافي، وهو النص الذي حواه كتاب السنة الرابعة للغة العربية من المرحلة المتوسطة صفحة رقم 70 و71، في محور (شعوب العالم) وعنوانه (من معتقدات الهنود)، وتعلوه صورة كاهن برهمي من كهّان عبدة البقر.. والنص مأخوذٌ من كتاب (ضحى الإسلام ج 1) لـ(أحمد أمين 1886-1954م)، وقصة هذا الدرس أنني جئت لأدرِّسه لابني قبل يوم من موعد حصة اللغة العربية كعادتي كل أسبوع، وبدأت أُقرئه الدرس شيئا فشيئا، حتى اصطدمت بأن الدرس يحوي ثلاث عقائد كبرى فاسدة وضالة لثلاثة أديان ضالة ومنحرفة وفاسدة، وهي عقيدة تناسخ الأرواح بالنسبة للهنود وكذلك لكثير من الفرق الباطنية الضالة كالدروز والنصيرية العلوية، وعقيدة التثليث والصلب الضالة، وعقيدة السبت الضالة، وهذه العقائد لم يطلع عليها جيلي إلاّ لما دخل الجامعة، وتعرّف على عقائد الشعوب وأديانها، لأن سنه يؤهّله يومها لضرورة معرفتها.

وظل ولدي يقرأ معي الدرس وهو يسألني ببراءته المعهودة الخالية من خبث ودهاء الكثير من الأطفال عن عقيدة الهنود وتناسخ الأرواح عند الهنود المجوسيين، وعن عقيدة التثليث عند المسيحيين الضالين، وعن عقيدة السبتية (سابات) عند اليهود المغضوب عليهم بنص القرآن الكريم، وأنا أحاول أن أشرح له ذلك بكل ما استطعت من تبسيط وتوضيح وكشف لفساد وبطلان تلك العقائد.. الذي هو في غنى عن معرفتها في هذه السن.

ونتساءل هنا: ما فائدة إفساد عقول وتشويش أفكار وتصوُّرات هؤلاء البراءة؟ ما فائدة تقديم وحشر دروس لتلاميذ مازالت لم تستقم عندهم الكثيرُ من حقائق دينهم؟ وما فائدة وأهداف الترويج للعقائد الضالة والباطلة؟ أللهم اشهد أني بلغت.

مقالات ذات صلة