-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الخبيرة المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية هبة جمال الدين لـ "الشروق":

هذه حقيقة “الديانة الإبراهيمية” وعلاقتها بالكيان الصهيوني وطرق إسقاطها

هذه حقيقة “الديانة الإبراهيمية” وعلاقتها بالكيان الصهيوني وطرق إسقاطها
ح.م
هبة جمال الدين محمد العزب

الدكتورة هبة جمال الدين محمد العزب، خبيرة متخصصة في الشؤون الإسرائيلية ومدرِّسة العلوم السياسية والدراسات المستقبلية في معهد التخطيط القومي بمصر، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.
لا يزال حتى الآن كتابها “الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطط الاستعماري للقرن الجديد”، أهمّ دراسة منهجية عربيّة في قضية “الديانة الإبراهيمية” المزعومة، لذلك طرحت عليها “الشروق” مجموعة أسئلة مركزية في هذا الملفّ.

من “اتفاقات أبراهام” إلى “الديانة الإبراهيمية”، هل نحن أمام مدخل جديد للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
اتفاقات ابراهام تمثل اختلافا كبيرا عما هو مفهوم في العرف والقانون الدولي، فلأول مرة يتم استخدام شخصية دينية لها قدسيتها في اتفاق سياسي، الأمر ليس من قبيل الصدفة، وإنما هو مخطط صهيوني كبير هدفه ليس الحكومات وإنما الشعوب، لأنّ الأولى -وفقا للمخططات الجديدة- ستتلاشى وتتفكك، وإنما الشعوب عليها أن تنصاع للاستعمار الصهيوني الجديد. والحل هو خلق هوية إحلالية محل الهوية الوطنية والدينية والعرقية تجُبّ كل ذلك لتصبح هوية إبراهيمية تنظر للمحتل في ضوء الأخوّة الإنسانية والأسرة الإبراهيمية الواحدة. وهذا ما نصت عليه اتفاقات أبراهام، حيث هدفت إلى التطبيع الشعبي ثقافيا وسياحيا في نصوص صريحة ملزمة لدول اتفاقات ابراهام بخلاف اتفاقات السلام المصرية والأردنية مع الكيان الصهيوني. لقد نصت على دفع التطبيع دفعا ليصبح أمرا واقعا.
والأمر جاء نتيجة دراسة أجرتها جامعة هارفارد بالمنطقة قبيل اعتماد الإدارة الأمريكية لهذا المخطط الجديد، فوجدت أن المنطقة العربية ترفض إسرائيل رفضا شعبيا، وهو الأقوى، فكانت الإبراهيمية هي الحل، حيث توصلت الدراسة لأهمية رسول الله إبراهيم عليه السلام لدى أتباع الديانات الثلاثة، وعليه فأصبح مرشحا للعب دور سياسي كجذع شائع يلتف حوله أتباع الديانات، خاصة أن شعوب المنطقة متدينة، فهي محط الأديان السماوية، فكان اختيار الإبراهيمية. وهذا ما بدأت تبعاته في الظهور مع اتفاقات إبراهام.

ما علاقة مشروع “الديانة الإبراهيمية” المزعومة بمخطط إقامة “إسرائيل الكبرى”؟

الديانة الإبراهيمية تقوم على تنحية المختلف عليه بين ما يسمى الأديان السماوية والوقوف على المشترك وإعادة قراءة النص الديني وتفسير المعاني السرية خلف كل حرف من حروف الكتب المقدسة ووضعها في كتاب تكون له القدسية بعد نزع القدسية من المقدسات والكتب المقدسة، يحمل اسم كتاب التفكير العقائدي لتحقيق السلام الديني العالمي، عبر إعطاء الشعوب الأصلية الحق على الخارطة السياسية.
وإذا نظرنا للمشترك سنجده ليس إسلاميا أو مسيحيا، فالإسلام لم تعترف به المسيحية ولا اليهودية، واليهودية لم تعترف بالمسيحية، والمشترك سيصبح اليهودية وروافدها الثقافية، من البوذية والهندوسية وعبادة الشيطان.
والحديث عن المعاني السرية يفتح الباب للتيارات الباطنية والتأويل في دوائر من جلسات الحوار غير الرسمي، تجمع بين رجال الدين والساسة والدبلوماسيين، لتكون مركز الحكم بالعالم، فبعد تأويل النص يتفق رجال الدين على مفهوم الشعوب الأصلية ويعطى رجال السياسة حقهم على الخارطة السياسية ليتحقق السلام الديني العالمي، والشعوب الأصلية رغم الاتفاق دينيا عليها، لكن هناك اتفاقية دولية مسجَّلة بالأمم المتحدة عام 1991 تحت هذا الاسم، تؤكد أن الشعوب الأصلية هم أصل المنطقة يتم إثباتهم عبر أبحاث الحمض النووي والجينات والتراث والتاريخ والوثائق، ومجرد الاتفاق عليهم يعني إعطاءهم حقهم الذي حرموا منه، فهم -كما يدّعون- شعوب هُجِّرت تهجيرا قسريا، فتتم عودتها للدولة التي هجّرتها وتحصل على ممتلكاتها مع تعويض يساوي ثمنها بالقيمة السوقية الحالية، وأن تدير الاقتصاد، لأنها حُرمت من خيرات البلد، وهذا يتوافق مع ادِّعاءات الصهاينة بشأن تهجيرهم من الدول العربية وادِّعاءاتهم بأنهم أصل المنطقة، خاصة منطقة شمال إفريقيا والجزيرة العربية وأن شعوبنا العربية هم مهجّرون، لذلك نسمع عن دعوات بعودة الصهاينة إلى الدول العربية.

لكن ما علاقة ذلك بأرض “إسرائيل الكبرى”؟

الإبراهيمية تتقاطع مع دراسات إعادة ترسيم حدود المنطقة العربية سايك – بيكو الجديد، إذ أصدرت جامعة فلوريدا دراسة بعنوان “الولايات المتحدة الإبراهيمية” تقوم على موت الدول القومية عبر الحشد السلمي والتعبئة السلمية للشعوب بسبب فشلها في إدارة ملفات الصحة والتعليم والرفاهة إضافة للإرهاب الذي أخذ مسحة دينية لتشويه الإسلام وثورات الشعوب الطامحة نحو الأفضل. وتقسيم الدولة لقرى أصغر تطالب باستقلالها، ثم بسبب الاستدامة وبقاء الكوكب وتغير المناخ يتم تجميع المتفرَّق في اتحاد سياسي فيدرالي برئاسة إسرائيل، ثم تركيا، بحجة امتلاك تكنولوجيا ترشيد الموارد، وبعد فترة لن تبقى تركيا فستتحول بعد القضاء على الدول العربية وإيران إلى ولايات مماثلة، وتكون إسرائيل فقط في السلطة الفيدرالية التي تتحكم مركزيا في الموارد.
الإبراهيمية ستكون هي الهوية التي ستدفع الشعوب العربية لقبول حكم إسرائيل في ضوء الأسرة الإبراهيمية الواحدة والدين الواحد، فالمطلوب ألا نرى إسرائيل بصفة المحتل وإنما هي صاحب وشريك ولديها علم لحماية المنطقة من التشرذم وضياع الموارد، وهنا تكون الديانة الإبراهيمية لعبت دورها. وعودة اليهود إلى الدول العربية ليكون حكام الولايات العربية الجديدة في ضوء نظرية النخبة الحاكمة، فهم من سيتحكَّمون مركزيا في موارد الدول العربية المنهارة.
وبدأ التطبيع عبر التمهيد له شعبيًّا من خلال مسار سياحي يسمى “مسار إبراهيم” أنشأته جامعة هارفارد كمسار للحكي بالعشر دول التي مر بها سيدنا إبراهيم عليه السلام، بتضمين الرواية المسيحية واليهودية مع الإسلام، ليبدأ في العراق وينتهي في مكة والمدينة.
وإذا نظرنا للخارطة الرسمية للمسار وأغلقناها سنجدها تتماشى مع خارطة أرض إسرائيل الكبرى من النيل للفرات. ويظهر ذلك جليا عبر ميثاق المسار المنشور الذي ينادي بتدويل أرض المسار كبداية فيما بعد لاكتمال المخطط الصهيوني.

أي مخاطر إستراتيجية وحضارية للدعوى المزعومة على كيان الأمة الإسلامية؟

الدعوى المزعومة هي لتدمير الإسلام والمنطقة العربية وتعظيم الطائفية، فهي السلاح الذي سيضرب عمق الدول القومية كملف الأكراد مثلا في شمال سوريا الذي بدأوا خلاله بتطبيق مخطط الولايات المتحدة الإبراهيمية على نطاق أوَّلي، ليعلنوا تشكيل اتحاد إبراهيمي يعلن موت الدولة القومية السورية، كبداية لتطبيقه ليشمل الدول العربية والإسلامية، ثم إفريقيا صاحبة الموارد.
هو مشروعٌ استعماري إحلالي لتحقيق حلم الكيان الصهيوني، بهدف التعجيل بنهاية العالم، ليتحقق انتصار أوهام المسيحية الصهيونية الداعمة لإسرائيل لتسريع نزول سيدنا المسيح ونهاية العالم عبر معركة هرمجدون، فهو مشروعٌ متطرِّف ظاهره التسامح والأخوَّة الإنسانية المزعومة، وباطنه التطرف والقضاء على المنطقة ككل، وعلى الدين الإسلامي، الذي من المتوقع أن يصبح الدين الغالب والسائد مع عام 2050 وفقا للتقارير المستقبلية، لكن تشويه الدين يأتي عبر تنحية المشترك ونزع القدسية عن المقدسات الإسلامية وإقامة دور جديدة يكون لها القدسية كبيت العائلة الإبراهيمية فيما بعد. فهو مشروع ماسوني يصدر في ضوء مفاهيم عامَّة مدمِّرة للدين والوطن كمفهوم “المواطن العالمي” الذي لا يؤمن بالمقدسات ولا المدن المقدسة ولا الحدود السياسية، فولاؤُه للاستدامة وبقاء الكوكب.

المرحلة أصبحت جدية وخطيرة بتبنّي أنظمة عربية للمشروع، كيف تتوقعين مآله؟ وما المطلوب من قوى الأمة الحية لإجهاضه؟

المشروع مفضوح، ولكنه يسير في ضوء التعتيم المقصود للشعوب، لأنه يستهدف شعوب المنطقة ويصاحبه مغريات تحتاج لمقاومة، لأن مستقبله مرهونٌ بالضغط الشعبي والرفض الشعبي والمجابهة الشعبية، وهنا سأطرح عددا من الاقتراحات:
– رفض وثيقة الأخوّة الإنسانية، فهي بداية تأصيل الماسونية الإبراهيمية الصهيونية.
-رفض الديانة الإبراهيمية شرعيا من قبل علماء الدين.
-رفض اتفاقات أبراهام التي طبقت سياسة الطوق الإسرائيلية بالمنطقة، فطوقت الجزائر عبر المغرب، والسعودية عبر الإمارات، والبحرين ومصر عبر السودان.
– رفض التطبيع الشعبي كليا.
– رفع وعي الشعوب بالمخطط وأدواته.
-إنشاء مراكز بحثية مماثلة للمراكز التي ينشئها كوشنر تحت مسمى الإبراهيمية لمتابعة المخطط وكشف أدواته وصياغة أدوات جديدة للمقاومة.
– دعم القضية الفلسطينية، خاصة أن تصفية القضية ستكون بداية توسع إسرائيل لالتهام دول المنطقة وتأتي تصفيتها عبر مشروعات خطيرة كمشروع الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال الذي ينادي به بعض قيادات الشتات الفلسطيني، فهو بداية لتصفيتها وتحقيق الولايات المتحدة الإبراهيمية.
– رفض السياحة الدينية كمشروع مسار إبراهيم ومسار فرسان المعبد ومسار التركي الصوفي.
– تكاتف الدول العربية والإسلامية معا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!