الرأي

هذيان المخزن بوسوسة من الإليزي

حبيب راشدين
  • 2494
  • 8
ح.م

فيما يتعثر حتى الآن المبعوث الأممي، السيد كوهلر، في تنفيذ توصيات قرار مجلس الأمن الأخير 2414 حول وجوب إحياء المسار التفاوضي بين جبهة البوليساريو والمغرب، دخل المغرب في ما يشبه الهروب الخطير إلى الأمام، برفع وتيرة وحدّة التصريحات المعادية للجزائر، وافتعال بؤر توتر مرتفع على المستويات السياسية والدبلوماسية والأمنية، كان آخرها تسويق قرار قطع علاقات المغرب مع إيران بذريعة وجود “تعاون عسكري بين حزب الله وجبهة البوليساريو” وإطلاق حملة مسعورة على خلفية إحياء جبهة البوليساريو للذكرى الـ45 لتأسيس الجبهة، وتنظيم استعراض عسكري بتفاريتي بالمناطق المحررة.
الجديد في المواقف المغربية أنها استهدفت هذه المرة الجزائر استهدافا مباشرا، بنبرة عدائية عالية، تحمل كثيرا من التهديد، بما في ذلك التهديد باللجوء إلى القوة لردع ما وصفته الدوائر الرسمية المغربية بـ”الخرق الفاضح لقرار وقف إطلاق النار” بتشجيع من الجزائر، فيما يعلم القاصي والداني أن لجبهة البوليساريو وجودا سياسيا إداريا وعسكريا بالمدن الواقعة شرق الجدار العازل منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد سبق لها استقبالُ وفود أجنبية، منهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، كما كان لها نشاطٌ عسكري معلوم ومتابَع من قبل المينورسو، ولم يسبق لأي قرار صادر عن مجلس الأمن أن تعرَّض له أو أدانه.
حتى الآن جاء رد الجزائر متزنا متوازنا، إذ رفضَ التصعيد الخطابي، واكتفى برفع وتيرة المناورات العسكرية، في رسالة لم تكن موجهة ابتداء إلى المغرب، بقدر ما هي موجهة إلى القوى الغربية ـ وتحديدا فرنساـ التي رأيناها تدفع المغرب نحو التصعيد لغاية في نفس يعقوب، وكانت فرنسا قد فشلت في استدراج الجزائر إلى المستنقع المالي، وفشلت من قبل في نقل الفوضى الليبية إلى الداخل الجزائري، ولم يعُد لفرنسا سوى الجبهة الغربية وأزمة الصحراء الغربية لزعزعة وضرب الاستقرار في المنطقة، حتى إن الرسالة التي هاجم فيها ملك المغرب الجزائر بلغة عدائية غير مسبوقة إنما حُرِّرت أثناء إقامته بفرنسا، وحاولت فرنسا جاهدة في اجتماع مجلس الأمن الأخير تغيير مرجعية المقاربة الأممية، وإدراج فقرات تسمح للمغرب بالهروب من استحقاق المفاوضات المباشرة مع جبهة البوليساريو.
وإذا كان التحليلُ العقلاني المنطقي يستبعد وجود أيّ مصلحة للمغرب في هذا التصعيد مع الجارة الجزائر، والتلويح بالعودة إلى أجواء المواجهة في تسعينيات القرن الماضي، فإن فرنسا -الطرف الفاعل والمؤثر في الأزمة منذ النشأة- لها أكثر من مصلحة في جرِّ البلدين الشقيقين إلى هذا التصعيد، الذي قد ينزلق إلى المواجهة المباشرة.
لقد فشلت جميع رهانات فرنسا على عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وتسخيره للعب دور حصان طروادة داخل المنظمة، كما تعثرت مساعي دعم انضمامه إلى منظمة دول غرب إفريقيا، آخر مربع نفوذ لفرنسا في القارة، وجاء قرار المحكمة الأوروبية ليُحبط مشاريع فرنسا الحالمة بشق “طريق حريرٍ” فرنسي عبر الصحراء الغربية يسوِّق للشركاء الأوروبيين، ويصرفهم عن الاقتراب من بوابة الجزائر.
ثم إن فرنسا التي كان لها الباع الطويل في تخريب ليبيا، وضرب الاستقرار في تونس، وإفشال المصالحة في مالي، تعلم جيدا أن حصاد ثمار هذه الفوضى يظل ممتنعا ومؤجلا ما لم يتوَّج بضرب الاستقرار في الجزائر إما بثورةٍ مخملية لم تعد تمتلك لها الأدوات والفرص، أو باتخاذ المغرب المحاصَر بالأزمات كمنصة لتفجير حرب إقليمية قد يعوض فيها لبعضهم ما فاتهم من الهزيمة المنكرة في الشام.

مقالات ذات صلة