الرأي

هزيمة أخرى مذلّة لأمريكا

حسين لقرع
  • 3265
  • 18

احتفلت أمريكا والناتو الأحد الماضي بـ”انتهاء مهمّتها” في أفغانستان وسحب جنودها، وزعم أوباما أنه بفضل “تضحيات” الجنود الأمريكيين أصبح بلدُهم أكثر أمناً وتمّ تحقيق الديمقراطية في أفغانستان.

هذا الاحتفال كان يمكن أن يكون مفهوما ومبرّرا لو أن جيوش أمريكا والناتو حققت انتصارا ساحقا على طالبان واستأصلت شأفتها، ولكن أمريكا لم تستطع سوى إسقاط حكم طالبان في أكتوبر 2001 بعد ثلاثة أسابيع من القصف الجوي، ثم الغزو البري، وبعد ذلك بدأ الجحيم، واستنجدت بجيوش 33 دولة أخرى تابعة للناتو، يدعمهم نحو 300 ألف جندي أفغاني موال لها، لكن دون جدوى، فقد خسر الأمريكيون أكثر من 2300 جندي من ضمن 3485 عسكرياً تابعاً للناتو، حسب الإحصائياتالرسميةالأمريكية التي تخفي خسائرها الحقيقية، كما أهدرت نحو ألف مليار دولار، فضلاً عن ألفي مليار دولار أخرى في العراق، ما سبّب لها ولحلفائها أزمة مالية عالمية خانقة في الأعوام الثلاثة الماضية.

أمريكا لم تنسحب من أفغانستان، لأنهاأكملت مهمّتهاكما تدّعي؛ فطالبان التي خسرت الحكم في 2011 عادت بقوة وسيطرت على مناطق واسعة من البلد، وعجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن القضاء عليها، برغم تفوّقها العسكري والتكنولوجي الصارخ، وقد انتصرت عليها طالبان في أكثر من موقعة، وأجبرتها في النهاية على الانسحاب مهزومة، وسبقها إلى ذلك الكثيرُ من حلفائها في الناتو الذين هربوا بجلودهم قبل سنوات، ولايزال الكثير من الجنود الأمريكيين إلى الآن يعانون كوابيسَ واضطرابات نفسية وعقلية مختلفة، وبعضهم انتحر من شدّة الأهوال التي قاساها في المعارك على يد أسود طالبان، فما هيالمهمّةالتي أنجزتها أمريكا حتى تتشدّق اليوم بالاحتفال بـإنهائها؟

ماأنجزتهأمريكا تحديداً هو قتل آلاف الأفغان وتدمير البلد طيلة 13 سنة من وجودها، منهم نحو 3500 طفل وشيخ وامرأة بطائراتها من دون طيار، وقد أثار ذلك حفيظة الأفغان ودفع جنوداً منهم إلى إطلاق النار على نظرائهم الأمريكيين وقتلهم في مناسبات عديدة

بالأمس، هرب الجيش الأمريكي من العراق بعد أن كبّدته المقاومة العراقية الباسلة 4500 قتيل و30 ألف جريح، واليوم يهرب مذموما مدحورا من أفغانستان بعد أن تكبّد هزيمة مذلّة ثانية وخسائرَ بشرية ومادية جسيمة ستبقى جرحاً غائراً في نفوس الأمريكيين بعد هزيمة فيتنام.

 

لقد كانت أمريكا تستسهل غزو بلداننا وتتخذ قرارات شنّ حروب عليها وإسقاط أنظمتها في ظرف قصير وكأن جنودها ذاهبون إلى نزهة، ولكنها لن تفعل ذلك بعد الآن، بعد أن أدركت أن قدرتها على غزو البلدان وقهر جيوشها النظامية وإسقاط أنظمتها في بضعة أيام، لا يعني تحقيق النصر النهائي، بل إن متاعبها تبدأ من تلك اللحظة مع المقاومة وحرب العصابات التي أثبت جيشُها الجرّار أنه لا قبلَ له بها وهي تُلحق به هزائمَ ماحقة تُسقِط هيبة أمريكا العالمية وتُذِلّ كبرياءها وتمرّغ أنفها في التراب. لقد كسرت هاتان الهزيمتان المذلتان غرور أمريكا وصلفها وعجرفتها، وستدفعانها مستقبلاً إلى التفكير ألف مرة قبل أن تقرّر غزو أيّ بلد عربي أو إسلامي آخر وإذلال شعبه

مقالات ذات صلة