-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا أحب علماء الجزائر بلادهم

التهامي مجوري
  • 7273
  • 0
هكذا أحب علماء الجزائر بلادهم

لا شك أن الذين درسوا التاريخ في المتوسطات والثانويات وفق المقرر الدراسي خلال السنوات الأربعين الماضية وهي سنوات الاستقلال، يلاحظ في ثنايا الدروس المتعلقة بالحركة الوطنية، همسا ولمزا لجمعية العلماء بعرض مواقفها كطرف ينادي بالاندماج.. وفي مواقع أخرى يقال عنها إنها لم تكن من دعاة الاستقلال ومن ثم فلا علاقة لها بالثورة وبركاتها.. ولكن المتتبع لمسار العلماء من بدايته إلى نهايته، يلمس حبًّا للجزائر لا يمكن إلا أن ينبع من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

بهذه المناسبة وهي مناسبة الاحتفال بإهداء مكتبة الشيخ عبد اللطيف سلطاني، رحمه الله، أمين مال جمعية العلماء في الخمسينيات من القرن الماضي، إلى المكتبة الوطنية، الذي يكون يوم الإثنين 15 رمضان بالمكتبة الوطنية بالعاصمة.
الشيخ عبد اللطيف سلطاني، توفي سنة 1983 بالإقامة الجبرية في بيته، التي فرضت عليه وعلى رفيق دربه الشيخ أحمد سحنون من قبل النظام. وسبب هذه الإقامة الجبرية كان بيان النصيحة الذي وقعه رفقة الشيخين عباسي مدني وأحمد سحنون، والذي كان يمثل أول تحرك شعبي للإسلاميين سنة 1982 ، حيث تُلِيَ البيان في تجمع شعبي كبير في صلاة الجمعة بمسجد الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.
فقد عاش الشيخ معارضا عنيدا، أستاذا بالثانوية وإماما مدرسا خطيبا بمساجد العاصمة، مسجد كتشاوة ومسجد ابن فارس بالقصبة ومسجد السنة بالقبة ومسجد الأرقم بشوفالي، ولم تكن معارضته من أجل المعارضة، وإنما كان مصلحا لا يهمه من يمارس الحكم بقدر ما يهمه كيف يمارس الحكم، وقد ألف كتبا إلى جانب نشاطه المسجدي، يبيّن فيها وجهة نظره خادما للجزائر ومحبا لها، منها كتاب “المزدكية أصل الاشتراكية”، ردا على التوجه الاشتراكي الذي تبنّته الجزائر في بداية الاستقلال، ولفظ المزدكية نسبة إلى مازدك الفارسي الذي فرض على الفرس مفهوم الاشتراك فيما تنازعوا فيه، حيث قرر لهم أن الناس يتنازعون على أمرين هما: المال والنساء، إذن فهم شركاء في ذلك. فالشيخ سلطاني، أراد بهذه »الغمزة« للنظام أن يلفت انتباه الناس إلى طبيعة التوجه الاشتراكي الذي يستمد قوته من أفكار اليسار الشيوعي الذي لا يقيم وزنا للقيم والدين، وهذا الكتاب لم يطبع في الجزائر، وإنما طبع في المغرب، ولم يدخل الجزائر إلا تهريبا.
وله كتاب آخر صدر له عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع (SNED)، سبب له مشاكل أيضا مع منظمة المجاهدين، وهو كتاب »سهام الإسلام«، وموضوعه أهمية العبادات والمعاملات في الإسلام وقيمه، وهو شرح لحديث بهذا العنوان، سهام الإسلام هي…، والمشكلة التي وقعت له مع منظمة المجاهدين هي أنه قال في هذا الكتاب إن بعض مقاتلي جيش التحرير كانوا لا يصلون وبعضهم أخذ رخصة فتح خمارة، والذي لا يصلي ويبيع الخمر، لا يمكن أن يطلق عليه مصطلح شهيد أو مجاهد؛ لأن الشهادة والجهاد في الإسلام لها مواصفات، لا تتوفر في تارك الصلاة وبائع الخمر.

وله كتاب ثالث عنوانه في “سبيل العقيدة”.

أما مواقفه في الثورة فلا نعلم عنها الكثير، وإنما هناك معلومة لا يعرفها الكثير عنه هي أن مسودة مؤتمر الصومام كتبت في بيته.. ورجل تكتب في بيته وثيقة بهذا الحجم، لا شك أنه من الوزن الثقيل.

هكذا أحب علماء الجزائر بلادهم، خدموها بصدق وإخلاص، وضحوا في سبيل خدمتها بكل شيء، فخدموها بالموالاة كما خدموها بالمعارضة، فعلموا الشعب وساهموا في تربيته، ولما اندلعت الثورة لبوا نداءها، ولما استقلت البلاد ورأوا في حكامها اعوجاجا عارضوهم وتحملوا متاعب المعارضة إلى أبعد حد، ولما ماتوا تبرعوا بأحب الأشياء إليهم في دنياهم لصالح الأمة؛ لأن الكتاب بالنسبة للعالم يشعر أحيانا أنه أعز عليه من أحد أولاده… ومع ذلك تبرع به؛ لأنه يحفظ قول الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).

والشيخ سلطاني ليس هو الأول الذي تبرع بمكتبته، وإنما سبقه إلى ذلك الشيخ محمد الصالح رمضان وهو من تلامذة ابن باديس أيضا، فقد أهدى مكتبته إلى الأرشيف الوطني، وكذلك الشيخ أحمد سحنون فقد أوقف مكتبته على مسجد أسامة بن زيد إلى جانب مدرسة قرآنية أوصى ببنائها في مؤخرة المسجد، ولا ننسى أيضا إهداء الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي مكتبة والده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أستاذ الجميع، إلى المكتبة الوطنية.

كم من الجزائريين فعل ذلك فأهدى لبلاده أعز ما يملك؟ لا أدري ولكن كل ما أعلمه في هذا المضمار، أن هذا الفعل لم يقم به غير العلماء، بما في ذلك المستشرق جاك بيرك الذي أهدى مكتبته إلى مدينة فرندة بتيارت؛ لأنه أحبها حبّا خاصا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!