-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الأم اختنقت وهي تحضن ابنيها والكارثة بدأت بولاعة

هكذا قضى ثلاثة من أسرة واحدة في حريق بسطيف

سمير مخربش
  • 685
  • 0
هكذا قضى ثلاثة من أسرة واحدة في حريق بسطيف

لقيت، مساء الجمعة، أم حتفها رفقة ابنيها إثر حريق نشب بمنزل يقع ببلدية بازر سكرة بولاية سطيف، وكان ذلك في مشهد مفزع سيطر فيه الدخان على المكان، فحاولت الأم إنقاذ ابنيها بصب الماء عليهما، لكن كثافة الدخان أسفرت عن اختناق الأم وهي تحضن ولديها.
المأساة هزت بلدية بازر سكرة الواقعة بشرق ولاية سطيف، وخلّفت حيرة كبيرة خاصة وسط الجيران، الذين تأسفوا لعدم قدرتهم على إنقاذ الأم وابنيها رغم محاولاتهم الكثيفة واجتهاداتهم لدخول المنزل الذي غشيه الدخان الكثيف، ولم يتمكّن أحد من التحكّم في الوضع.
متابعتنا للحدث كانت بزيارة منزل تحول إلى كتلة فحم مع انتشار السواد في أرجائه، ولفت انتباهنا مدخل مستودع المنزل الذي تحطم عن آخره. والكل هنا يتحدث عن كارثة لم تستغرق إلا دقائق، لكنها قضت على نصف أفراد العائلة التي لم ينج منها سوى الوالد وابنته لغيابهما عن المنزل.
وحسب ما استقيناه من الجيران الذين ظلوا مجتمعين أمام المنزل المنكوب، فإن الحادث وقع بعد صلاة الجمعة، أين غادر الوالد المدعو وليد بلال، البالغ من العمر 29 سنة المنزل وتوجه إلى العلمة لانشغاله بعمل مع أحد الخواص، تاركا وراءه زوجته التي تنحدر من عائلة خلوطة من بلدية بيضاء برج بجنوب سطيف، والبالغة من العمر 25 سنة، والتي كانت رفقة ابنيها محمد ونصرو البالغين من العمر 4 سنوات وعامين، بالإضافة إلى شقيق الزوجة البالغ من العمر 6 سنوات الذي نزل ضيفا عند العائلة.
وكان الطفل الضيف وابن اخته البالغ من العمر 4 سنوات، يلهوان داخل المستودع الذي كانت به كومة من الصوف وعدد من العجلات المطاطية وأريكة قديمة، واستخدم أحدهما ولاعة خلال اللعب، وكانت وراء اشتعال كومة الصوف، والتي لم يعر لها الطفلان أي اهتمام لأن النار لم تشتعل في البداية، بل انبعث بعض الدخان من الصوف، ليخرج بعدها شقيق الزوجة خارج المنزل بينما توجه الابن إلى المطبخ تاركا وراءه فتيل النار الذي كان ينتشر ببطء في كومة الصوف.
وبالنظر لتركيبة المنزل، فهو بناية قديمة مساحتها الأرضية عبارة عن مستودع استغل الأب جزءا منه لبناء غرفة ومطبخ ومرحاض، وهو الجزء الذي يقطن فيه رفقة عائلته الصغيرة، وفي الطابق العلوي، تعيش والدته رفقة ابنها الثاني. للإشارة، في تلك الأثناء كانت الجدة نائمة في الطابق العلوي ولم يمسها سوء، بينما الابن الثاني كان هو الآخر غائبا عن المنزل.

من فتيل محدود إلى حريق مهول سبّبته ولاعة

وانتشرت نار الولاعة في الصوف، امتد بعدها الفتيل إلى العجلات المطاطية وتحول المستودع إلى كومة من الدخان الأسود، الذي امتد إلى المطبخ المجاور ثم الغرفة التي كانت بها الأم التي تفاجأت بالمشهد وراحت تسارع لإنقاذ رضيعها وابنها، ومع استحالة مغادرة المنزل، قامت بحمل الماء وصبه على ابنيها خوفا من احتراقهما، كان ذلك وسط الدخان الكثيف الذي لم تتمكّن الأم من مقاومته، فاستسلمت وهي تحضن ابنيها.
وفي الخارج، انتبه الجيران إلى الدخان الكثيف المنبعث من المستودع، فحاول بعضهم فتح الباب دون جدوى، في حين اتصل أحد الجيران هاتفيا بصاحب المنزل الغائب، فأخبره بأن زوجته وابنيه بالداخل، وهنا أصر الجيران على فتح الباب، فقاموا بقطع الغاز واستعانوا بشاحنة قام سائقها بتكسير باب المستودع الذي انبعث منه دخان كثيف.

وحسب ما أكده لنا بعض السكان، فإن أحد الجيران حاول الدخول لكنه لم يتمكّن وسقط أرضا وتم انتشاله وإنقاذه من موت محقق بعد استنشاقه للدخان السام.

ومع المحاولات اليائسة للجيران، وصل أفراد فرقة الحماية المدنية الذين وجدوا هم كذلك صعوبة في اقتحام المنزل، فكان الدخان يقذفهم إلى الخارج، وبعد عدة محاولات، تمكّنوا من التحكّم في الوضع ونجحوا في الوصول إلى الأم التي كانت ملقاة على الأرض تحضن ابنيها، فتم على الفور إخراجهم من المنزل.
وحسب أحد الأعوان، فإن الأم كانت في حالة حرجة تتنفس بصعوبة والطفلين في حالة إغماء مبللين بالماء، وعند نقل المصابين في سيارة الإسعاف، فارقت الأم الحياة قبل وصولها إلى مستشفى “صروب الخثير” بالعلمة، وتوفي الرضيع مباشرة عند وصوله إلى المستشفى، بينما خضع شقيقه للرعاية الطبية مع استعمال جهاز الصدمات، لكنه فارق الحياة هو الآخر. لتكون بذلك عائلة بلال قد فقدت 3 من أفرادها ولم يبق سوى الأب والبنت لغيابهما عن المنزل.

وتكون بذلك كارثة ثانية قد حلّت بولاية سطيف في ظرف 5 أيام بعد حادث الثلاثاء الماضي الذي توفي على إثره 8 أفراد من عائلة واحدة داخل بئر ببلدية معاوية بشمال شرق ولاية سطيف، والذين فارقوا الحياة اختناقا أيضا بالغازات السامة المنبعثة من محرك المضخة.

العائلة المنكوبة من الحالات الاجتماعية البائسة
وقد تم فتح تحقيق أمني في الحادث، كما أمر وكيل الجمهورية لدى محكمة العلمة بتشريح الجثث للنظر في ملابسات الحادث، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، لازال الضحايا بمصلحة التشريح بمستشفى العلمة.
وقد تمت متابعة الحادث من طرف السلطات المحلية وعلى رأسها رئيس بلدية بازر سكرة ورئيس دائرة العلمة اللذان تنقلا إلى موقع الحادث، كما تنقل أيضا النائب البرلماني والرئيس السابق لبلدية بازر سكرة، بوزيد مومني إلى المنزل المنكوب والذي التقينا به وأكد لنا أن الكارثة ألمت بعائلة فقيرة تقطن بمستودع وهي حالة اجتماعية مزرية تستحق الاستفادة من سكن اجتماعي، بالنظر للظروف المأساوية التي يعيش فيها الوالد الناجي رفقة ابنته. لقد غادرنا المكان والحسرة تملأ قلوب الحضور الذين جاؤوا من مختلف المناطق لمواساة العائلة المنكوبة. وبهذا الحاث الثاني، تبقى حوادث الوفاة الجماعية لأفراد العائلات مثيرة للحيرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!