-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
حيث لا مكبرات صوت ولا ساعات ولا أجهزة اتصال

هكذا كان أجدادنا يهتدون إلى موعد الإفطار.. دون مآذن

إسلام. ب
  • 1177
  • 0
هكذا كان أجدادنا يهتدون إلى موعد الإفطار.. دون مآذن
أرشيف

يتساءل الناس اليوم، كيف كان يهتدي أجدادنا بولاية سكيكدة مثلا، بموعد حلول شهر رمضان وموعد الإفطار؟ حيث لا مكبرات صوت، ولا ساعات، ولا مساجد، مع انعدام أجهزة الاتصال المسموعة والمرئية في بداية القرن المنصرم؟ فلا هواتف ولا تلفزيونات؟
لكن الأمر بسيط، فقد كان الناس في ما مضى ببلديات الجهة الغربية وعلى رأسها منطقة بني زيد، وكركرة، وعين قشرة، وأولاد أعطية والزيتونة وصولا إلى وادي الزهور، يُعلمون بموعد حلول رمضان والإفطار بإشعال النيران على سفوح الجبال، بمنطقة تسمى حاليا بمنطقة الزريقية التابعة لبلدية بني زيد، وهو مكان مرتفع يطل على عدة بلديات، منها كركرة والقل والزيتونة وبني زيد زقنواع، وبين الويدان، وعين قشرة وكل بلديات الجهة الغربية بالولاية، اعتمادا على بزوغ ضوء بميناء القل أو ببلدية كركرة وبالتبليغ من شيخ المنطقة الذي كان هو الوحيد الذي يملك مذياعا.

الشعالة وصراخ الأطفال
حيث كانت الشعالة هي طريقة التواصل فقط آنذاك، وليس هناك طرق اتصالات تضمن سماع الأذان في حينه، وينتشر الخبر في القرى، على صراخ الأطفال مردّدين: “مغرب.. مغرب.. مغرب..”، ويبدون سعادة لا توصف وهم يبلغون الكبار بموعد الإفطار، وهم الذين يكونون جالسين بفناء منازلهم، ويحدث في وقت مضى ألا يعلم الناس بدخول شهر رمضان أصلا، كأن يتأخر التبليغ، حيث يصبح الناس غير صائمين ويأتي الخبر ضحى أو ظهراً، فيلزم الناس الصوم أي يمسكون عن المفطرات ويصومون إلى المغرب ويقضون بدلاً عنه يوماً آخر، غيره، وكذلك بالنسبة إلى يوم العيد، فقد يصوم الناس يوم الثلاثين من رمضان ويصبحون صائمين، ثم يأتي الخبر متأخراً في الضحى أو وقت صلاة الظهر، أن اليوم عيد، فيفطر الناس ويحتفلون بعيد الفطر المبارك في اليوم الموالي.
ويتم جمع الحطب من طرف نساء القرية الذي يتم بواسطته إشعال النيران في رمضان ويتم الاحتفاظ به عند شيخ القرية، وإذا حلّ رمضان في فصل الشتاء، سيجد المسؤول عن إشعال النيران صعوبة كبيرة في ذلك، بسبب التساقط الغزير للأمطار، لكن المكلف بذلك يجد نفسه مرغما للقيام بهذا العمل الذي كلف به من طرف شيخ القرية، وجاءت فكرة إشعال النيران على سفوح الجبال لإعلام الصائمين بموعد الإفطار نتيجة لقلة المساجد في القرن الماضي، وانعدام وسائل التواصل، حيث كان العديد من الصائمين يعتمدون على الشعالة لإعلام بعضهم البعض بتوقيت الإفطار، ويعتمدون عليها بصورة ضرورية.

الشيخ بلقاسم باعث الفكرة
ويجمع كل سكان بلديات الجهة الغربية بولاية سكيكدة أن الشيخ بلقاسم بومعزة هو أول من فكر في بعث هذه الفكرة القديمة، وكان ذلك في ستينيات القرن الماضي، لكي يعلم سكان القرى والبلديات المجاورة بموعد آذان الإفطار، رغم أن الأمر صعب في إشعالها في الشتاء، إلا أنه لا يهنأ له بال حتى يتأكّد من أن كل الصائمين أعلموا بوقت الإفطار، وذلك بإشعال كل بلدية للنيران، وهي كلمة السر عندهم بأنهم شاهدوها وتستغرق مدة الشعالة 5 دقائق ويرافقها صراخ الأطفال الصغار. وتعاقب الجميع على هذا العمل الخيري منهم من قضى نحبه أمثال بومعزة بلقاسم، وعند عجزه سلم المشعل لابنه عبد الله، ليخلفه المكي بوفليغة ثم بوالديس، ومنهم من هو على قيد الحياة مثل يوسف ليزيدي، وبومعزة عز الدين وغيرهم ممن ساهموا في إشعال النار وعلى ضوئها يفطر سكان الأرياف.
والحقيقة، أن شهر رمضان كان يكتسب مذاقا خاصا من عادات وتقاليد تضفي عليه بهجة ومحبة لدى الكبار والصغار، هذا ويتسبب أحيانا إشعال الشعالة باندلاع الحرائق، خاصة في فصل الصيف، جراء ارتفاع درجة الحرارة وهبوب الرياح، حيث يفقد المكلف بإشعالها السيطرة عليها، وعندما يشاهد ذلك سكان القرى المجاورة يهرعون إلى المكان لمساعدته في إخمادها، وغالبا ما يجدون صعوبة كبيرة في ذلك جراء الغابات الكثيفة التي كانت تحيط بهم، وتستمر أحيانا إلى غاية وقت السحور، هذا ومازال يحرص الأطفال الصغار على زيارة مكان إشعال الشعالة الذي يعتبر أكبر الأماكن في رمضان الذي يجذب الزوار إليه بأعالي منطقة الزريقية ببلدية بني زيد، للتعرف على المكان عن قرب والتقاط الصور التذكارية، رغم وفرة وسائل الاتصال، إلا أن بعض سكان البلديات الريفية بولاية سكيكدة، يطالبون بضرورة إحياء هذه العادة الرمضانية القديمة، بهدف الإسهام في مشاركة الصائمين فرحة الإفطار بتنبيههم بموعده، وتذكر طريقة أجدادهم وآبائهم، حيث إن الأمر غدا ظاهرة جمالية رمضانية محلية بامتياز، وتجد يوميا حشودا من الأطفال الصغار خاصة، وهم يترقبون متى تعود ظاهرة إشعال النيران على رأس جبل الزريقية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!