الجزائر
صراع مرير وكسر عظام على مدار سنين طويلة

هكذا وصل الجزائريون إلى سلطة انتخابية بصلاحيات غير مسبوقة!

محمد مسلم
  • 4687
  • 7
ح.م

 لم يكن تحقيق الجزائريين لمطلبهم القديم الجديد بتشكيل سلطة انتخابية مستقلة تماما عن الإدارة، سوى تتويج لنضالات مستمرة وتضحيات جسيمة، على مدار سنوات طويلة تمتد إلى أزيد من عقدين من الزمن.

ويتذكر الجزائريون اللجنة السياسية المستقلة لمراقبة الانتخابات التي أشرفت على تنظيم الانتخابات الرئاسية في عام 1995، وجاءت بالرئيس الأسبق، اليامين زروال، إلى قصر المرادية، كما يتذكر الجزائريون رئيسها الراحل عبد السلام حباشي، وهو يعلن عن نتائج تلك الانتخابات، والتي خلفت جدلا كبيرا، بسبب اتهامات بالتزوير، لا تزال تردد إلى غاية اليوم على ألسنة أبناء ومسؤولي حركة مجتمع السلم.

ومنذ ذلك التاريخ، لم تنتظم انتخابات مهما كان نوعها (محلية، تشريعية، رئاسية)، ولم تخرج سالمة من الاتهامات بحصول تلاعب في نتائجها، استفاد منها مرشحو السلطة أو الأحزاب الموالية لها، وبلغ التزوير مداه، عندما خرج محمد صديقي، رئيس اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية 2012، ليتهم السلطة بالتزوير، من موقعه كمسؤول أول على تلك اللجنة.

وما أثار إحباط الجزائريين حينها، هو أن تلك الانتخابات (التشريعية 2012)، انتظمت في أجواء مشحونة، ميزها ما سمي “الربيع العربي” مثلما حدث بتونس ومصر، ومع ذلك استطاعت السلطة الالتفاف على النتائج ووضعت أحزاب التحالف الرئاسي في المقدمة.

ولم يكن ذلك التزوير سوى تنكر فاضح من قبل الرئيس المخلوع لوعوده في الخطاب الذي ألقاه مذعورا ذات يوم من أفريل 2011، بعد أشهر من اندلاع ما عرف بأحداث الزيت والسكر، التي كادت أن تلحق الجزائر بالدول التي اجتاحها الربيع العربي، فالكثير من السياسيين يومها، اتهموه بعدم الصدق من خلال عدم التزامه بتوفير الإرادة السياسية لمن أشرف على العملية الانتخابية.

الانتقادات الموجهة لنزاهة الانتخابات لم تتوقف حتى في رئاسيات 2014، التي فاز فيها الرئيس السابق بعهدة رابعة، ولم تتمكن اللجنة المكلفة بمراقبة الانتخابات، من الوقوف في وجه آلة التزوير، بالرغم من أن رئيسها، فاتح بوطبيق، ينتمي لحزب قدم مرشحا عنه لتلك الانتخابات، وهو عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل.

ومع تعرض الرئيس المستقيل لصدمة صحية أقعدته على كرسي متحرك، وتزايد مخاوف السلطة من انفجار شعبي بسبب بروز قوى غير دستورية تصنع القرار من خلف الستار، لجأت إلى حيلة أخرى تلاعبت من خلالها بمشاعر الجزائريين عموما والطبقة السياسية على وجه الخصوص، عندما استحدثت “هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات”، أسندت رئاستها لوزير العلاقات مع البرلمان الأسبق، عبد الوهاب دربال.

اقتنع البعض يومها بأن دربال سيفعل شيئا على صعيد محاربة التزوير في العملية الانتخابية، لاسيما وأن الرجل ذو خلفية إسلامية ومحسوب أيضا على المعارضة، غير أن الرجل لم يكن في مستوى التطلعات، ولعب بسمعته، حتى وإن حاول تبرير النقائص التي حالت دون حماية العملية الانتخابية من التلاعب.

ما حدث من تراكمات التزوير على مدار السنوات الطويلة، انتهى كما هو معلوم إلى انفجار الشارع في 22 فبراير المنصرم، وجرف معه العهدة الخامسة للرئيس المخلوع، كما سحب معه الكثير ممن تورطوا في دعم ترشح رجل لم يكن قادرا حتى على الكلام فما بالك بتحريك أطرافه، ليس إيمانا بقدراته، ولكن خوفا من حدوث تغيير يكشف فسادهم، وهو ما حصل..

حراك الشارع لم ينه فقط حكم العصابة ويسجن رموزها، بل قاد أيضا إلى استحداث سلطة مستقلة لمراقبة الانتخابات، بصلاحيات غير مسبوقة، أبعدتها تماما عن سلطة الإدارة وجهاز التزوير في الداخلية، لكن وعلى الرغم من هذه الصلاحيات، إلا أن تفعيلها يبقى رهينة إرادة سياسية قوية وفعالة، لمعاقبة ومحاسبة كل من يتلاعب بالعملية الانتخابية، وإلا عاد الجميع إلى مربع البداية.

مقالات ذات صلة